الثلاثاء، 25 نوفمبر 2014

لهو الحياة



تلعب لعبتها
كحجري نرد
قد يتشابهان فنلتقي
ثم يختلفان فنفترق
و الأرقام ربما لتواريخ السفر أو أميال الطيران
و أحيانا تكون لتاريخ صلاحيتنا

تلعب مجددا
كلعب القطة بكرات الصوف
تتشابك الخيوط فنلتقي
و في العقد نضيع
و في الزحام ننسى الألم
كما الصاعدون الى الله

تحرك قطعتي سكر
في كوب من الشاي
فيذوب السكر ولا نذوب
و نبقى في القاع متجاورين
متمسكين بماهيتنا
حتى اللحظة الأخيرة

تداعبنا
مداعبة النسيم لسنبلة قمح
فنتمايل كراقصة شرقية
في تناغم شديد مع دقات الطبل
فيزداد حماس الطبال
 و تشتد الرياح فتنثرنا حبوبا
نملأ الحقل سنابل


ترقص كدرويش
على ضربات القلب مع ذكر رب القلب
فنسمو في هدوء
ثم يسقط الدرويش
و ينام في سلام
و يحلم و حينها نلتقي للمرة الأخيرة .






الخميس، 6 نوفمبر 2014

كان حبا من ورق .. فاحترق

أمديني بنورك حين يضحي الليل قطعة سوداء لا قمر فيها ولا دليل من نجوم ، ادليني بنورك الوضاء من بسمات ثغرك او خذيني اليك بنظرة من عليائك المجيد ترفعني اليك درجات .. أرى فأرقى .

اموت و أحيا بين همسك ، ِلدِيني رفاة محروقة في الرماد و انفخي فيّ من روحك ، فتخرج من نارك اسطورة الفينيق حبا خالدًا يبعث من جديد .

فاكون منك و فيك و بك و اليك ، كنتِ فكنتٌ و ان لم تكوني لم أكن ، انت الماضي و الآت انت المحيا و أنت الممات ،انتِ أنتِ و أنا أنتِ يا سيدة الذات  .

و لكن ...

يا سيدتي مات حبك فيّ من سنين ، و نادى المنادي من  كان يحب حبها فحبها قد مات و من كان يحب جرح حبها فجرح حبها حي لا يموت .

نام طيفك في الكهف سنين عددا، و اتاني ليزور المحب القديم ، فوجد القلب قد شاخ قبل الروح و الجسد ، فلا ينفع اليوم ما كان حينها حقا و حقيقة ، ما لم يكن حبا زائقا بل كان شيئا من يقين و لكن  رحل العمر و احترق فكان حبا من ورق و لم يورثني الا طيفاً مسترق و بعضا من أرق   .

يا سيدتي  أشعلت رسائلنا القديمة و قصاصات الورق ، ما أرسلته و ما لم أرسل ، فقد كاد البرد يفترسني ، برد الوحدة ، و أردت ان أشعل نار المدفأة ، فلم أجد نارا أكثر دفئا من ورقك ، فأحرقتك ورقا فخرجتي لي من النار طيفا من دخان ، و أشعلتي القلب نارا من جديد و لكن في هذا الموسم لم يولد الفينيق و خبت النار و باتت رماد .

وداعا يا سيدتي فقد كنت أنت المحيا و أنت الممات ...و لكن هذا القلب قد مات فأقيمي عليه الضريح و اكتبي عليه " كان على هذا القلب ما يستحق الحياة " و أعدي له الأرض كي يستريح فقد أحبك حتى التعب .
.....

السبت، 26 يوليو 2014

شرفة الذكريات


في شقته الصغيرة ، و شرفته المطلة على البحر حيث ترسوا بعض المراكب و انعكاسات أضواء المدينة على سطح الماء ، كرسيه الخشبي ، المنضدة و عليها كوب القهوة المتصاعد منها البخار ليغازل برودة الجو في انسيابية راقص يلاعب حبيبته الجميلة ، رائحة الجو مع رائحة القهوة ، جلس في الكرسي و وضع نظارة القراءة و أخذ كتابه بيمينه و قبل أن يفتحه أمعن فيه النظر جيدا و من ثم استنشقه كأنه يريد استخلاص الذكريات من رائحة الورق .

فتح الصفحة الأولى و وجدها ، نعم وجدها تخرج من بين الصفحات ، فرك عينيه ليتأكد أنه لا يحلم و أعاد وضع نظارة القراءة السميكة و دقق في الرواية و فتح الصفحة الأولى مرة أخرى و وجد اسمها مكتوب في الاهداء : الى شقيق الروح من جسدي ... و بدأ في القراءة ، كل صفحة يجد فيها ذكرى ، و رجع به صندوق الذكريات الى تلك اللحظة حيث كان يتمشى في السوق و وجد فتاة تبيع الورد فقرر أن يشتري منها وردة و حمل الوردة و في الطريق أخذ صحيفته اليومية و عاد الى البيت ، أين الذكرى هنا ؟ ، توقف و عاد الى وعيه و قال لنفسه ماذا حدث لتلك الذكرى لم تكن بهذه الطريقة ، هل أصبح عقلي يلاعبني ، و عاد للكتاب من جديد و من أول السطر و حمله خياله الى مكانها ، مكان الذكرى عندما مشا في السوق و توقف ليشتري الوردة لم يكن لنفسه بل لها ، نعم كانت واقفة الى جانبه تبحث في حقيبتها عن نقودها الضائعة فتدخل لينقذ الموقف فدفع لها ثمن الوردات ، و لكنها لا تعرفه ، قبلت بشرط أن تعطيه مقابلها شيئا ، فوافق . كانت ترسم  فقررت رسمه ، أجلسته على كرسي المقهى و أخذت قلمها و دفتر رسوماتها من الحقيبة و بدأت في رسمه ، رسمت كل تفاصيله ، شعره الكثيف ، أنفه الحاد ، عينيه و ما يلمع فيها من بريق شاب مقبل على الحياة ، ابتسامته الهادئة ، تقاسيم الجدية و الصرامة مع الطيبة المخفية  خلفها ، كل هذا تمكنت من قرائته من أول رسمة ، كان هذا سحرها الخاص ، وقع في غرام الرسمة و أخذت الوردات و أعطته الرسم و رحلت في هدوء .

و عندما وصلت آخر الشارع ركض بكل سرعته ليلحقها ، كان قد وضع الرواية جانبا من يده و هو يطالع شاب يركض خلف حبيبته و هو من على الشرفة وقف ليتابع المشهد ، لحق الشاب  بالفتاة تحت عمود الانارة في زاوية الشارع و أعطاها رسالة و معها وردة و ابتسم و رحل ، وقف مندمجا في هذا المشهد فقد أعاد لذهنه لقائه بها عندما أراد أن يصارحها بحبه و لكن قلمه كان سحره الخاص ليس رسما للوجوه و لكن رسما للحروف في نظم سلس و بسيط يفهم بسرعة ، كانت له قدرة على تكثيف المشاعر في الكلمات ، فأهداها رسالة و وردة من نفس مكان الورد حيث التقيا للمرة الأولى ، ابتسمت في سعادة و أخذت الرسالة و ودعته ، تماما مثل ما شاهد من على شرفته ، عاد الى مقعده و هو ممسك بالرواية و أعاد فتحها و أكمل القراءة .

رن جرس الباب فوضع الكتاب و قام ليرى من الطارق فوجدها جارتهم ، تريد أن ترى ان كان شيئ ينقصه ، وجم و أخذه الصندوق في رحلة جديدة ، فهو لا ينقصه غير حضورها ، بسمتها المشرقة ، ضحكتها التي كانت تملأ حياته بل الكون كله فرحا و سعادة ، أناملها و هي تلعب في جبينه حينما ينام في حجرها كالطفل الصغير ، أعادت جارته السؤال فعاد من حلمه و أجاب ب "لا كل شيئ على ما يرام" ، تلك الكذبة التي نرددها دائما و هو ليس باستثناء ، أغلق الباب و عاد الى الشرفة و قبل أن يمسك الكتاب خنقته العبرة ، اعتصر الشوق قلبه و نزلت الدمعة ساخنة دافئة أعادت الى وجه شيئا من الاحمرار فهو شاحب منذ رحيلها لتكمل رسالة الماجستير ، مرت سنة كاملة و لم تراسله منذ شهر و لم تتصل به .

عاد الى الرواية و بدأ يقرأ حتى وقع نظره على أثر دموع على الصفحة و أخذه الصندوق من جديد الى ذلك اليوم ، يوم رحيلها حيث جلس في نفس المكان و بدأ يقرأ ذات الرواية التي أهدتها اياه في عيد حبهما الأول ، في تلك الصفحة سر عميق اكتشفه عندما قرأ الرواية في ذلك اليوم وجد فيها ورقة تركتها له تودعه فيها ، الورقة فيها رسم لشجرة و شخصين يجلسان تحتها و قمر منعكس على سطح  بحيرة و كتبت مع التوقيع سأشتاقك جدا . فنزلت الدموع مرة أخرى لتعيده الى شرفة الذكريات . مسح دموعه و ابتسم و رشف ما تبقى من قهوته و وضع الرواية على المنضدة و دخل لينام قليلا .

استلقى على السرير و لكن النوم لم يزره فعاد الى الشرفة و أخذ معه الشال الأحمر ليقيه البرد جلس على الكرسي و هو يراقب في الكتاب في خشية ، نعم أصبح يخاف أن يفتحه فيأخذه الى مكان يؤلمه ذكراه و لكن الشوق اليها و لو حتى في ذكرى أجبره على حمل الكتاب من جديد ، فألم الفقد تمحيه حلاوة اللقيا و لو كانت مجرد ذكريات مدفونة في رواية قديمة ، عاد الى القراءة و أثناء هيامه في صفحات القصة تذكر أنه لبس الشال الأحمر ، ذلك الشال حاكته بنفسها  و قدمته له هدية عيد زواجهما الأول منذ سنة تقريبا ، أحضر لها هدية و جهز الطاولة و كان في انتظار اتصالها ليخبرها بأنه يحتفل اليوم بعيد زواجهما ، و أن هديتها في انتظارها و مع كل تلك الفوضى في رأسه سمع صوت يناديه " أحمد .. أحمد .. " فأفاق و وقف ليتتبع الصوت فوجدها ياسمين زوجته و هي تناديه من الأسفل واقفة مع حقائبها  مبتسمة في انتظاره ....








السبت، 28 يونيو 2014

قراءات في رسالة قرنق للصادق و دوره السلبي في الصراع السياسي

في مقولة لدكتور فرانسيس دينق : «إن الذي يفرق في السودان، هو المسكوت عنه» 

     الصادق المهدي يمثل المقولة دي بصورة دقيقة جدا كأنما هي قيلت فيه ، السبب أو الحاجة الخلتني أكتب هو زمان كان حضرت فيديو لي دكتور جون و فهمت من السياق العام دور الصادق السلبي في أزمة السودان و كنت ناوي أرجع أفتش الفيديو ، فبالصدفة اليوم لقيت الرسالة بتاعت دكتور جون قرنق للصادق و وضحت لي بصورة أدق ، ما حتحوجني أرجع للفيديو ، و بطريق دقيقة و ممنهجة و مرتبة كعادته دائما ، سأورد فكرتي أولا ثم أضيف اليها بعد النقاط من الرسالة و أخيرا سأضع رابط الرسالة لمن يريد الاطلاع عليها كاملة و هو ما أنصح به .

من أكبر الأخطاء في السياسة السودانية هو مسألة القبول بالصادق المهدي في التجمع الوطني ، أو تحديدا اشراكه في مسألة التحرك الجماهيري أو الانتفاضة التي كان يجب أن يقوم بها التجمع في الخرطوم تحت وهمية انه ليه وزن على الأرض ، من أجمل ما قدم من نقد للثورة الروسية ما كتبته روزا لوكسمبوج ، و في خضم حديثها تطرقت الى ما افتقده الاشتراكيين الألمان من الشجاعة و المبادرة التي اتسم بها البلاشفة بقيادة لينين و تروتسكي ، فقد اتهمتهم بأنهم تلاميذ للقماءة البرلمانية و هو تعبير استخدمه ماركس لوصف البرلمانيين البيفتكروا انه التاريخ بيتقرر بالاقتراحات و التصويت و نقاط النظام في المناقشات البرلمانية ، و مسألة انهم تلاميذ للقماءة البرلمانية جعلت عندهم هاجس لفعل أي شيء ما عليك أن تحصل على الأغلبية أولا و محاولة تطبيقه على الثورات ، حيث وضحت أن الامر حقيقة يتم على العكس تماما و هنا أقتبس منها : " ليس عبر الأغلبية الى التكتيك الثوري ، بل عبر التكتيك الثوري الى الأغلبية - هكذا تسير الأمور " ، فما انتقدته روزا عند الاشتراكيين الألمان هو ذاته ما اتسمت به المعارضة الشمالية تحديدا في موقفها من حزب الأمة و الصادق المهدي فالفهم المنغلق على ضرورة ايجاد أغلبية لاجراء أي تحرك ، ساعد في تقديم الصادق المهدي الى دور قيادي في التجمع تحت مزاعم أغلبية حزبه أو وزنه على الأرض و هو أمر (debatable ) قابل للنقاش و المراجعة خصوصا بعد الانقسامات التي طالت حزب الأمة و تحول جزء من مراكز ثقله في دارفور بعد مواقفه المخزية المتكررة ، الهاجس بتاع الوزن الانتخابي أو الوزن على الأرض أبقى الصادق في المعادلة لفترة طويلة فاذا رجعنا لكلام روزا لوكسمبورج الصادق بيمثل حسب فهم القماءة الجانب الاول الأغلبية الى التكتيك الثوري ، فالمعادلة خاطئة من البداية و الأكثر ألما أن الصادق المهدي هو الشخص المنوط به نقل المعارضة الى التكتيك الثوري عبر أغلبيته، يعني بتعبير مبسط البلف في يده ، فكان كالسوسة التي نخرت السلسلة الفقرية للمعارضة السودانية و حتى توقيع اتفاقية السلام و الى اليوم ما زال يمارس في نفس الدور السلبي ، أما آن الأوان لقلب المعادلة ، و اخراج الرؤوس من الرمال و التحدث بوضوح عن المسكوت عنه ؟؟؟
الآن سأورد بعض مما ورد في الرسالة :

  • " فإذا كان الشعب السوداني يغفر، يجب الا نتوقع منه أن ينسى.."
  • " في نموذجكم للسودان فإن المواطنين يقسمون إلى قبائل صديقة، وأخرى غير صديقة " .
     
  • " وفي كثير من المرات حاولت جر التجمع لكي يبصم على مشروعك للمصالحة مع نظام الجبهة، وقد نجح التجمع في مقاومة وصد هذه المحاولات ".

  • " إن مما يُذهب العقل أن تأتي الاتهامات بتدويل الحرب في السودان، من نفس الرجل الذي كان يبحث عن تدخل دولي من الأمم المتحدة يعيده إلى السلطة " .

  • «إن هدف القتال ليس قتل جندي العدو، ولكن تجريده من القدرة على القتال».. و«إن قتل جندي العدو غير المسلح، أو بعد تجريده من السلاح تعد جريمة» دكتور جون قرنق عن مباديء الجيش الشعبي .

  • "هم قد يغفرون، لكن لا تتوقع منهم أن ينسوا، ومن قبيل تفتيح الجروح وزيادة الآلام أن تأتي أنت، لتحاضرهم عن حقوق الإنسان." متحدثا عن أبناء سلاطين مذبحة بور التي يسأل عنها الصادق المهدي حسب ما ورد في الرسالة .

  • "ألم تكن أنت وحزبك وراء إبعاد أعضاء منتخبين من البرلمان، وحظر حزب سياسي شرعي " يقصد الحزب الشيوعي السوداني و نوابه .

  • " ووراء استحداث مادة الردة في مشروع الدستور، نفس التهمة التي أُدين بها شيخ الرابعة والسبعين من عمره وهو محمود محمد طه وأعدم في عهد النميري؟ ".

  • " الاعتقاد عند بعض الساسة أن لهم حقاً تاريخياً وأبدياً في ملكية السودان، إن لم يكن حقاً سماوياً مقدساً " .

لمن يريد الاطلاع على الرسالة كاملة :


http://www.sudanile.com/index.php/2008-12-01-11-35-26/9700-2010-01-13-16-38-02

الرسالة كانت بتاريخ 31 يناير  2000

الخميس، 15 مايو 2014

فلسفتها : هي الفرح أو الفرح هي

  • فرحت ذات يوم بشمس الحقيقة ، بقفزتها الناجحة نحو مستقبل مستنير ، نحو حلم أنار نهاية النفق ، خافت و لكنها فرحة ، فضحك الكون لها لأنها تستحق .
  • فكرة الفرح هي أنت سيدتي ، فالفرح فكرة و الفكرة وليدة الطبيعة و الفرح هو مولود الطبيعة الجميلة ، فأنت كل الفرح .
  • نحزن لأننا توهمنا امتلاك الفرح ، و الفرح لا يحبس في سرداب ، لا يمكن أن نملكه ، الفرح يتلاقى معنا فيجب أن نحتفي به  ثم نودعه في لطف .
  • أنت يا سيدتي تماما كالفرح ، لا يمكن أن تحبسي في سرداب ، و لكني سأحتفي بك كلما زار طيفك ذاكرتي ، أو ورد اسمك في حديث عابر أو التقيتك صدفة .
  • و عندما تهمين بمغادرة احساسي بك ، سأفتح لك الباب متأملا جمالك و أهديك زهرة بيضاء ، و أبتسم في لطف مودعا و أغلق الباب لأعود الى اللااحساس .
  • أحيانا يتجاوز الحب حدود الممكن و تقييدات المكان و شرط الحضور ، فيستمر الحب و يولد الفرح متجاوزا حواجز المادة ، فالفرح سر الوجود .
  • فالحب لا ينتهي بالفراق ، الحب يبقى في بقعة ما ، ربما يعاد ترتيبها لتصبح منسية ، و لكنه في الأصل حالة فينا ، يعيش داخلنا ، أصله الفرد المحب ، و هكذا ضمان الفرح ، فالفرح يبقى في الداخل بقاء الحب و يغادر برحيله لا برحيل المحبوب .

الأحد، 27 أبريل 2014

قصة حب في صراع الطين و النار

  
   في غياهب الحزن و مدارات الضياع ، في حسرات الشوق و بين أنين القلب الراقد على ضفاف نهر حبك الخالد ، هنالك بذرة النور ، تشع أحيانا بعضا من أمل و شيئا من يقين ، هي فقط تلك البقعة المضيئة في وسط رماد القلب المحترق بالفراق . هناك فقط يجتمع الأضداد ، الحياة و الموت ...

  قصة حب كتبت على أرصفة الشوارع ، بدأت في الشارع و انتهت فيه ، لخصت في لحظات بسيطة ، هي في جانب و هو على الجانب الآخر ، من طريق سريع ، أو بين طرفي جسر ، هي تسكن الجسر و هو يخشى الجسور ، ناداها من طرف الطريق و هي مشغولة بالكتابة ، و أصوات السيارات المسرعة تشوش عليه ، كتب اليها أن تترك المحمول و تنظر أمامها ، و هنالك فقط وجدته واقفا أمامها تماما كقدرها ، نظرت اليه بكل وضوح ، رأت قلبا يتلهف الى أن يطير من طرف الطريق اليها دون جسد ، تحمله الروح كجناحين لينزل عندها و يجثو على ركبتيه مجازا ، ابتسمت له ، فأرسلت شعاعا من نور ، أنار الطريق و نقله اليها في لحظات كنقل عرش بلقيس الى نبي الله سليمان . عبر الطريق لحمه بعد أن عبر قلبه بدقائق ، ربما كان انفصام القلب علته التي أدت الى تلك النهايات الحزينة ، أو قد يكون فارق القدرات بين الروح و الجسد ، الحب يصنع المعجزات فالحب سر الوجود .

  حكاية الجسر كانت السباقة ، فهي كما قلنا تسكن الجسور و هو يخشاها منذ صغره ، ناداها بأن تأتي الى الضفة حتى يفصح عن حبه ، فقالت له تشجع ان أردتني و أمضي إليّ غير منكسر و غير خائف ، فأنا إن لم أكن الطمأنينة لقلبك فلم تحبني و لم تستحقني ، فأنا الحسناء و مهري ليس مالا و لكن قلبا محبا عاشقا لا ينتحر و انما يحب الحياة ان استطاع اليها سبيلا و ان لم يستطع ، فأخافه حبها أكثر من الجسر و لحظتها رفرف قلبه للمرة الأولى سابقا جسده ، قدم اليها تحمله فراشات من نور ، طرد ظلام الخوف و اطمأن بها ، فكانت جمال الروح و الجسد ، رأى فيها شيئا من خرافة ، رآها نصفين يتصارعان ، نصف من شجر أخضر و نصف من نار مشتعلة ، فأسكنته نفسها مستقرا و مقاما و ألبست قلبه عقدا من زهر و النار كانت بردا و سلاما لفراشات الروح التي اختلطت ببعض اللهب في مزيج العشق الروحي السامي . فاكتمل المشهد باتحاد قلبه مع جسدها المتناقض الفوضوي من جهة و المتسق الأخضر من نصف آخر .

و لكن الجسد ظل واقفا عند الضفة ، طرف الطريق  و ضفة الجسر قبل ذلك، فالجسد دوما رهين العقل ، و العقل لا يعمل الا بالتجارب و المقارنة و المقاربة و التحليل ، نعم العقل مُتعِب جدا ، وَلَّدَ العقل التناقضات و أخذ ينظر الى المشهد المقدس في الجسر ، و لكنه لم يرى ما رأينا من جمال ، بل رأي فقط نصف النار يأكل الطين و الشجر ، و أن القلب لابد أن يُزدَجر ، و أن القلب لا بد أن يعود كي لا ينتحر . كذَّبَ العقل بالشجر ، و لم يؤمن بأن النصف قد يبقى وفيا للحب و أن الحب يوما ما سينتصر ، أبقى العقل الحب قيد الشك و قيد النظر . فكان القيد الذي يجب يوما أن ينكسر و يا ليته ما انكسر .

و بعد الشهور الأولى من هجرة القلب الى خضرة الأرض الطينية في نصف الحبيبة ، عاش أميرا في ممكلة الطين الخضراء ، عاش سيدا محبوبا ، و لكنها حبسته بعض الشئ في القلعة ، و كان فقط يخرج معها ، لم تتركه يرحل الى النصف المحترق ، لم تتركه يرى ما يحدث من فوضى في نار النصف الآخر نصفها ، لم تعلمه بالمعارك الدائرة هنالك ، و حينها وقع ما قد كان العقل منه قد حذّر و أنذر و استوعد و استنكّر . بدأت النار تمتد الى النصف الأخضر و تلتهم الشجر ، و لكن قلبه ما زال حبيسا لديها في القصر ، و همَّ العقل ينادي انك محروق يا قلبي فاخرج منها وفيك شئ من حياة ، و لكن لم يسمع القلب و أهملته شهرا يسعى خلف سراب العشق في مملكة الشجر .

  عقلها رغم ذلك لم يكن كقلبها ، فلقد أحب عقل حبيبها جدا ، و كان يناديه و يناجيه و بالأفكار يغازله و يجادله ، تناقشا مطولا في الخلق و الكون و كل ما هو من حيرة و شك ، دينا و ايمانا و علما و كل ما كان مثيرا للجدل ، تنقلا بين أفكار اليسار و هرطقات اليمين ، بين صدق الحياة في فكرة اليسار و مفهوم العدالة ، و بين النزعة الفردية و الحرية في مفاهيم الليبرالية ، استفاضا عميقا في الجدل ، غضبا أحيانا و لكن عقله أخيرا عشق عقلها و لكن بحذر القيود التي لانت لعقلها حتى انكسرت في سهولة و يسر و كان لها من الذكاء و العبقرية ما جذب عقله الى تفكيرها المتطور ، فلعقلها حسن لا تخطئه بصيرة جاهل دعك من شخص مستنير  .

  بانكسار العقل ، رحل الجسد اليها فالتقيا في الجسر و ظل قلبه يحب قلبها المتخفي و الذي حبسه في القصر ،  و عقلها يحب عقله الحذر الملئ بالشكوك و الذي كسر القيود مأسورا بجمال فكرها ، و لكنه أتى متأخرا ، ففي ذلك الوقت قام قلبها برفض قلبه و دخلت هي في لب الصراع بين عقلها المسيطر على النصف الأخضر الطيني و قلبها المسيطر على النار ، فأحرق قلبها فراشات روحه حتى لا يستطيع قلبه الفرار ، و بدأت  بالزحف على القصر الطيني الأخضر ، و عقلها في الوقت نفسه قام يصرخ ، يا عقل حبيبي قُم فخذ بعضا من طيوري و أنقل قلبك اليك حتى لا يموت محروقا بنار قلبي و تكرهني للأبد ، قام عقلها باخراج القلب و لكن من دون فراشات الروح وصلت النيران الى القلب المهاجر و أحرقته الا نقطة ، تلك النقطة كانت ذكرى التوحد الأول ، يوم قَبَّلَ القلب القلب و اسكنه ممكلة الطين الاخضر ، تلك النقطة كانت قبلة القلب للقلب فصارت نورا و النار لا تحرق النور ، فأخذت الطيور القلب المحترق الا نقطة الأمل ، و أعادته الى الجسد و انهار الجسر و جرفه النهر بعيدا مع جسدها المتصارع المتناقض داخليا ، و عقله كان قد  درب الطيور لتحمل الجسد بالقلب المحترق معا الى الضفة الأخرى ، عبر النهر .

  انتهت الحكاية بعبور النهر ، فلقد تركته و رحلت ، جرفها التيار ، تركت له قلبا محروقا ، و أخذته من ضفته الى الضفة الأخرى ، فصار غريبا مغتربا عن وطنه ، نعم هي قصة قلبٍ أحرق قلباً الا نقطة ، نقطة نور في وسط غياهب الفراق ، تلك النقطة التي ظلت هي الفرحة الوحيدة في دنياه ، هي التي تعطيه الأمل في الحياة ، و لكنها أيضاً تتسبب له في وجع مزمن يعرف أحيانا بالحنين ...

النهاية .

الخميس، 24 أبريل 2014

رفيقة النور

  • إِشتَدَّ الظلام يا رفيقة ، ابتعدتِ بنارك و نورك ، أفتقد نقاشاتنا الفكرية ، أفتقد خلافاتنا ، أفتقد ما لم أكن أظن يوما أني فاقده .     
  • إِشتَدَّ الظلام يا رفيقة ، و تاه الدرب مني ، و الشمس ؟ الشمس غابت برحيلك ، أكنت الشمس حقا في زِيِّ البشر ؟ ، لا يهم فقد أتى الليل و الوحدة و الأرق .
  • إِشتَدَّ الظلام يا رفيقة ، فما نوري الداخلي الا خليط مشاعر و أفكار قديمة ، نفختي فيها من سحرك فالتهبت مضيئة ، و كانت بردًا و سلامًا و سراجًا منيرا .
  • إِشتَدَّ الظلام يا رفيقة ، و تكالبت علي الهموم و الأفكار ، الآراء و الأحداث ، العقول و التجارب ، و لم أجد من أشاركه و يسمعني ، أين أنت يا رفيقة؟؟ .
  • إِشتَدَّ الظلام يا رفيقة ، و نزلت من مكاننا ، و رحلتي عني في وقت التغييرات الجذرية التي بدأت تضرب أفكاري ، من سيهديني الى النور يا نوري .
  • إِشتَدَّ الظلام يا رفيقة ، و لكنك علمتني أن الأمل في الغد يبدأ من الداخل ، و أن النور آت ، علمتني أني سأجد من توقدني كنار المجوس فلا أنطفئ .
  • إِشتَدَّ الظلام يا رفيقة ، ظلام الحزن و الفقد و الحنين ، ظلام الوحدة و الشجن ، هل أنت بخير ؟ ، أنيري لي آخر الدرب لأعلم أنك بخير .
  • إِشتَدَّ الظلام يا رفيقة ، هل فارقك الحزن أخيرا و نفضتي غشاءه الكئيب ، هل فجرتي الفرح ؟؟ ، أوقفي الدموع و أكملي الطريق فربما نلتقي في النور يوماً .




الأربعاء، 26 مارس 2014

خربشات في ذاكرة طالب كلية الهندسة جامعة الخرطوم - السنة الثانية


توقفت وقت طويل عن اكمال هذه الحلقات التوثيقية لفترة الجامعة ، و لكن أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي ، في هذا الجزء سأتناول أحداث السنة الثانية في الجامعة 2008-2009. الجامعة في نظري مقسمة الى ثلاث سنين أولية ، أولى جامعة ، ثانية جامعة - أولى الكلية ، ثالثة جامعة - أولى القسم .
وفقا للتصنيف أعلاه كانت هذه السنة هي السنة الاولى لنا في كلية الهندسة ، مناهج الدراسة الخاصة بالهندسة و خلافه ، أكبر هواجس هذه السنة كان ما يعرف بالرسم الهندسي - Engineering Drawing ، الدروس الأولية لم تكن بتلك الصعوبة تحديدا لشخص أخذ مادة الهندسية في المرحلة الثانوية كمادة اختيارية متخصصة للدخول الى الكليات الهندسية ، مشكلة الزمن و تعامل مساعدي التدريس صعب من المسألة كثيرا ، وجود شخصية قوية ك " دينا بلال " ، صارمة جدا على رأس هذه المادة صعب من المهمة أيضا ، قام أحد طلاب مدنية في احدى المحاضرات بصوت مستفز لدينا بلال ، و بما أننا كطلاب هندسة ميكانيكية كنا في نفس المجموعة فوقعنا ضحية ذلك التصرف من ذلك الطالب ، و بدأت معاملات مساعدي التدريس في عكس توجيهات دينا بلال في التعامل السئ معنا ، و بدأت معاناتنا مع مساعدي التدريس ، خصوصا رئيسهم " سالم " ، أكبر حادثة في تلك السنة كانت حادثة " المرسم " كما ندعوها في دفعتنا ، و كانت تفاصيلها كالآتي ، في يوم من الأيام تأخر مساعدي التدريس عن الحضور للمرسم حتى الساعة 9 صباحا أي ساعة كاملة و المرسم زمنه 3 ساعات و لم يكن يكفي مع الشرح و القطوعات بالاسئلة و خلافه ، فما بالك بأن يتقلص الى ساعتين فقط ، فوقفنا كدفعة للمرة الأولى و قررنا عدم الدخول الى المرسم حتى و ان جاء مساعدي التدريس الآن ، و فعلا البعض ذهب لبيوتهم  و جزء ذهب للكافتريا و البقية وقفت منتظرة تحت المرسم ، و بعد زمن قصير وصل مساعدوا التدريس و طلبوا منا الصعود الى المرسم فرفضنا ، فأرسلوا لنا " كفاح " و كانت شخصية قوية ، متوازنة بين الحزم و اللين ، دقيقة في اجاباتها ، تحظى باحترام الدفعة نوعا ما ، و فعلا تفاوض معها أحد زملائنا و عاد ليخبرنا أن نصعد و الا سنعطى صفرا في المرسم ، فاختلف الجمع بين مؤيد و معارض و أثناء هذا النقاش صعد 7 من الدفعة من دون انتظار حسم القرار داخليا ، فالبتالي اضطر البقية الى الصعود على مضض و كانت أطول خطوات في حياتي ، مع كل عتبة سلم ، أشعر أنني أتألم ، الشعور بالخيانة و توقع ما سينتظرنا في الأعلى من مساعدي التدريس جعل الأمر صعبا جدا ، و فعلا عند دخولنا المرسم ، وجدنا مساعد التدريس " سالم " واضعا قدميه فوق بعضهما في أعلى الدرج مما جعل أسفل حذائه يقابل أوجهنا ، في منظر لن أنساه ما حييت ، و انتهت الحادثة ، و بعدها عدنا الى بيوتنا و في اليوم التالي حدثت مشادات كثيرة بين أفراد الدفعة و كنت قد تكلمت عن الموضوع في الفيسبوك و دعوت عقد اجتماع للدفعة لمناقشة الأمر ، و بالفعل تم عقد اجتماع و اعتذر الجميع و اتفقنا على تكوين أسرة في الحال ، لجعل القرار جماعي و مركز في رئاسة الأسرة ، و بالفعل عقدت الانتخابات و انتخبت أمينا رياضيا بحكم منصبي كمدرب للفريق و بطل بطولة المستوى الاول . الأسرة كان لها مفعول السحر ، قامت بتنظيم الشؤون الأكاديمية و الثقافية ، أغلبية عضويتها مع السنة الثالثة انتخبت في الجمعية الميكانيكية .

أولى مهام الأسرة كان حسم اسباب الخلاف السابق و وضع قوانين للدفعة لضمان عدم تكرار الحادثة ، و قد كان و بعد ذلك قامت بتنظيم مسألة تصوير التيتوريلات عن طريق صندوق اشتراكات شهري ، و هي الفكرة التي استمرت حتى تخرجنا من الجامعة ، التحدي الذي تلى ذلك كان مسألة تنظيم استقبال لطلاب السنة الأولى ، و كان النقاش الداخلي أولا لماذا نستقبل طلاب السنة الجديدة فلم يستقبلنا أحد ، و لكن حسم الأمر أخيرا بضرورة قيام هذا الأمر على الأقل لضمان عدم حدوثه مجددا ، و كانت أولى خطوات تميز هذه الدفعة ، بتفكيرها البعيد عن الأنانية دوما ، و تم تنظيم استقبال مميز و مختلف عن استقبال الجمعية الميكانيكية ، فركزنا على ضرورة التعريف بانجازاتنا في المستوى الاول و نقلها لهم حتى يسيروا على الدرب و أيضا ضرورة تعريفهم المرافق الأساسية فعملنا صور و خرطة باستخدام Google Earth  ، و نجح البرنامج جدا و كانت ثاني الفعاليات التي قامت بها الأسرة بعد حسم الأمور الداخلية .

الجانب الرياضي كان جيدا أيضا فقد لعبنا عدة مباريات ودية ، أبرزها كان مع مدنية ، فقد شكوا أنهم ظلموا في المباراة النهائية و يريدون مباراة لحسم الأمور و فعلا كان لهم ما أرادوا و لكن هزمناهم بهدفين دون مقابل لنؤكد أحقيتنا بالفوز باللقب ، لعبنا أيضا أمام مساحة و هزمناهم في مباراة مثيرة تأخرنا فيها و عدنا و قلبنا الطاولة . في نفس الوقت شهدت الكلية دوري الأقسام ، لم نؤخذ بعين الاعتبار و المنتخب الميكانيكي تمكن فقط من الوصول الى دور الأربعة بأعجوبة و خرج بعدها من البطولة . منتخب هندسة تقريبا لم يتقدم للنهائي في تلك السنة و لم يقدم مستويات تليق بوصيف النسخة السابقة و لكن ظل التشجيع في قمته كالعادة .

في النواحي السياسية ، شهدنا انتخابات للمرة الاولى في الجامعة ففي السنة الأولى لم تقم الانتخابات ، و بدأت أركان النقاش تكثر في الكليات و شهدت الجامعة حراكا سياسيا جيد نوعا ما ، فأذكر أطرف مخاطبة كانت للتحالف بقيادة وائل طه في اللبخة ، كانت مختصرة و مضحكة جدا ، كان متحدث لبق جدا ، و طريف و يجذب اهتمامك منذ اللحظة الأولى ، و لكن في نهاية الأمر وجد اتفاق الى اسقاط النصاب بالامتناع عن التصويت و بالفعل نجح التحالف و أنصار السنة في اسقاط النصاب و انتهت تلك السنة دون اتحاد ان لم تخني الذاكرة .

عدم وجود اتحاد أضر بالروابط و مسألة شرعيتها ، و لكن الجمعية الهندسية كونت لجنة تسيرية ، لوجود حدث هام قادم في الكلية ، و هو اسبوع المهندس و الذي يحتاج التمويل و المسائل المالية التي لا تتم الى عبر الجمعية الهندسية ، كان اسبوع المهندس ال13 هو أكبر حدث نشهده منذ دخولنا الجامعة ، في المسائل التنظيمية كنا مهمشين تقريبا ، و في مسائل العرض تم اخبارنا أنهم يحتاجون الى عارضين في المسبك فقط ، فلم نهتم كثيرا و لكن مع قدوم الاسبوع حدثت المشكلة ، تم قرار سفر طلاب المستوى الرابع الى سنار ، الأمر الذي ضرب بمجهود الجمعية الميكانيكية لتنظيم معارض ميكانيكا عرض الحائط و بدأ التخبط و تم اللجوء الينا بالفعل و بصورة سريعة تم تدريب العديد من دفعتنا لسد الفراغ الذي تركه طلاب المستوى الرابع ، حيث الأسبوع يكون قائم على عاتقهم ، و لكن تقدم طلاب دفعتنا و كالعادة قدموا أداء متميزا و ارتقوا الى مستوى التحدي و كان اسبوعا جميلا ، لم أشارك فيه الا من اليوم الثالث في معرض الآلات و أكملت حتى نهاية الاسبوع ، و كانت تجربة متميزة حقا .

كانت هذه أبرز أحداث السنة الثانية و في الجزء القادم سأحاول أن أكمل السنة الثالثة ان شاء الله .
انتظروني

الأربعاء، 26 فبراير 2014

مانشستر يونايتد : قلب مكسور ستشرق شمسه من جديد

لا أدري ماذا أكتب و كيف أقول و ماذا أقول ، لقد تركني اليونايتد معلقا ، مهزوما ، كسر شيئا في نفسي ، يقول جبران خليل جبران : " ما زلت أؤمن أن الإنسان لا يموت دفعة واحدة و إننا نموت بطريقة الأجزاء؛ كلما رحل صديق مات جزء، و كلما غاردنا حبيب مات جزء، و كلما قتل حلم من أحلامنا مات جزء، فيأتى الموت الأكبر ليجد كل الأجزاء ميتة، فيحملها ويرحل " ، هل رحيل السير كان الموت الأكبر لليونايتد ، لا أدري ، هل أكتب عن مباراة البارحة ، أم عن الصمت الطويل طوال هذه الفترة ، هل أكتب عن خيبات الموسم ، أم عن بوارق الأمل و ان كانت معدومة ، هل أكتب عن هذا الفريق الذي لا أعرفه ، هذا الفريق لا يمثلني ، هذا ليس الفريق الذي أحببت ، الفريق مر بفترات سوء نتائج و وصل في حقبة مورينهو و عهد آرسنال الذهبي موسم 2003-04 الى مستوى لاعبين غير مقبول و لكن كنا نحصل المركز الثالث و كنا نخرج من دوري الأبطال ، كانت هناك نتائج كارثية نعم ، لكن لم ندخل مباراة واحدة متخاذلين ، كنا نقاتل على النقاط حتى بمستوى اللاعبين الهذيل ، حتى بوجود روي كارول في الحراسة و سلفستر في الدفاع و ديجمبا ديجمبا في الوسط ، كنا مقاتلين ، نخسر ولا نمتع ، لكن لم نكن يوما مستسلمين ، هذه ليست ثقافتنا ، نحن نادي يقاتل من أجل الفوز ، يقاتل من أجل تخطي المحن ، هذه هي ثقافتنا .

مويس لا يتحمل كل اللوم ، النادي به مشاكل داخلية كبيرة ، بعض كبار اللاعبين في صراع مع مويس ، بعض اللاعبين لم يتقبل فكرة رحيل السير ، كانوا رجال فيرجسون ، يعطون 200 % من مجهوداتهم من أجل الفريق ، مويس أيضا ليس ببطل ، لم يفز بشئ ، فكيف أستمع لك و أنت لست ببطل ، أنت تتعامل مع لاعبين قضوا على الاخضر و اليابس في مسألة البطولات ، الأيام ستكشف هذا الجزء .

ما يقلقني حول مويس ، و أعلم تماما أنه اذا تم دعمه و أعطي المال و جلب اللاعبين ، رغم الغياب من الأبطال و ضعف المستوى سيعود أقوى ، و لنفترض أن هذه الصورة الوردية للنظر للأمور حدثت و تحققت ، كيف لمدرب لم يستطع السيطرة على غرفة ملابس من لاعبين متهالكين و آنصاف مواهب ، أن يسيطر على غرفة لاعبين من نجوم ، كبار النجوم و يجعلهم فريقا قويا ، السيتي كان يملك ترسانة قوية و لكن مانشيني لم يستطع توليفها جيدا و قبله مارك هيوز ، الشئ الأكثر من ذلك قلقا هو أن مويس حتى الآن لم يستطع ايجاد تكتيك حقيقي داخل الملعب ، نحن نلعب من دون شخصية ، من دون أدوار واضحة ، دعوني أريكم مثال بسيط في أي مباراة في دوري الأبطال أو الدوري الانجليزي ، عند وصول الكرة الى خط الارتكاز قم بعمل ايقاف للصورة Pause و حاول أن توجد لاعبين فريقك و وصل بينهم بخطوط ، ان نتج لك أشكال هندسية منتظمة ، كالمضلعات و المثلثات ، اعلم ان هذا الفريق عالي جدا تكتيكيا ، و ان وجدت أكثر مربعات ، اعلم ان هذا الفريق يمتلك من التقليدية الانجليزية الكثير و ضعيف فنيا ، و ان وجدت أنه لا شكل مميز و انما أشكال فوضوية ، أعلم انك تشاهد اليونايتد تحت ديفيد مويس ، هل بدأت أفقد الثقة في ديفيد مويس ، نعم ، و لكن هل من العدل الحكم عليه الآن ؟؟ ، الاجابة لا ، مويس سيعطى الأموال و اللاعبين الكبار ، النادي يقول أنه سينتظر عليه ، اما الأخبار المتسربة من داخل أروقة النادي تقول أنه ضامن وظيفته حتى يناير 2015 ، حينها لن يجد ما يشفع له و سيصبح تحت تهديد الاقالة . و في رأيي هذا عادل تماما ، سيكون حينها قد بنى فريقه الخاص ، و تخلص من مشاكل غرفة الملابس و ان تحسن الأداء سيصبر عليه و ان لم يتحسن الأداء سيقال ، ولاحظوا معي ، الأداء وليست النتائج ، النتائج لا تأتي سريعا ، لمن يظنون أن بتغيير المدرب سينصلح حالنا لا هذه أوهام ، حتى مع وفود أسماء جديدة و كبيرة ، نحتاج بعض الوقت ، ربما الموسم المقبل ، لن نحقق الكثير أيضا و لكن بعدها سنكون قوة كبيرة ، ان نجح مويس و خذل خوفي منه .

هذا الفريق أعلن وفاته تماما في مباراة البارحة ، الجثة سلمت للمشرحة ، و وضح تماما من سيبقى و من سيرحل و المسألة أصبحت مسألة وقت فقط لتتكشف الأسماء ..

السؤال الذي يرد هنا كثيرا ، لماذا مويس ؟ ، هل فيرجي مدين له بخدمة ما ، أو "ماسك عليه ذلة" بالعامية ، و كل هذه الافتراضات الطفولية الساذجة ، من قرأ كتاب السير ، سيعرف الاجابة ، اليونايتد يريد مدربا يبقى لفترة طويلة ، ليبني فريقا تلو الآخر ، تماما كفيرجي ، مورينهو ليس بريطانيا ، و ملول ، سيغادر و ان طال الزمن ، كلوب مدرب ألماني ، بعد موسمين أو ثلاثة سيمل و سيود العودة الى بلده ، و لكن مويس رجل أسكتلندي ، و كما قال فيرجسون الرجل الاسكتلندي عندما يتغرب عن وطنه فانه يعمل بكد و جد و يخلص و يحاول بكل قوته أن ينجح ، هذا ما فسر به فيرجسون اختيار مويس ، بالاضافة لعدة أمور ، و لكن في رأيي كان هذا الفيصل ، معرفة السير بطبيعة الاسكتلنديين ، و بطبيعة ديفيد مويس و بقائه في ايفرتون كل هذه الفترة ، الخيار الذي سيثبت صحته أو خطأه مع الأيام .

هل نتوقف الآن ؟؟ لا ، نحن لسنا بأقل من جماهير ليفربول و جماهير آرسنال ، نحن الجماهير التي تقف مع الفريق في المحن قبل الأفراح ، نحن جماهير زعيم انجلترا ، سنتلقى الضربات الواحدة تلو الأخرى و سنسهر الليالي حزنا و ألما و لكن و مع صافرة بداية أي مباراة سنتسمر أمام شاشات التلفاز منتظرين أن يؤلمنا اليونايتد مرة أخرى أو يفرحنا قليلا ربما ، سنبقى الراية الحمراء خفاقة ، فهذا النادي لن يموت ، سنقف معه حتى آخر مباراة هذا الموسم ، سنبقى سقف طموحاتنا عالي ، سنتمنى التأهل في الاياب و سنقاتل على المركز الاوربي الرابع حتى يصبح ذلك مستحيل حسابيا ، سنتحمل من كنا نضحك عليهم ، فقد آن للزمان أن يدور ، و سنقابلهم بابتسامة واثق بأن اليونايتد سوف يعود ، فقط غربت شمسنا قليلا ، لتشرق من جديد ، فلتتمتعوا بمنظر الغروب و لا تنسوا أن يومنا طويل نهاره قصير ليله ، فالشمس مشرقة لا محالة .