الأحد، 31 مارس 2013

رحلتي الى الريف الشمالي

   عند الفجر و مع صوت المؤذن و بعض النسمات الباردة وقفت وحيدا في محطة البلابل منتظرا عوض مرحوم سائق الترحيل ليقلني الى قري . و بعد لحظات وصل عوض مرحوم و ركبت الحافلة و على بعد أمتار توقفنا لنقل الفني الفلبيني مستر جو ، و بعدها توجهنا الى الكلاكلة ليركب معنا الفني فؤاد و بعد لحظات ، تظهر لك شخصية عوض مرحوم بشتم النظام الحاكم و توعد الرئيس بالمحاكمة الجنائية في لاهاي و انتقاد سياسات النظام ولا أنكر أني ارتحت كثيرا لوجود شخص ينفس عني ما لا أستطيع قوله ، و بعد طريق ليس بالقصير وصلنا الكدرو لاصطحاب محمد علي ، موظف سيقا وسط سخط عوض على سوء الأزقة و تذمره من أن محمد علي يجب أن ينتظر الترحيل في الشارع الرئيسي لا أن يقله من بيته و بعد محمد علي توجهنا الى الطريق الرئيسي و فجأة توقف عوض ليقل الفني و مشغل الآليات حسن سيد أحمد و بعد ذلك توجهنا الى الدوم حيز السكن أو "الميز" و أنزلت حقيبتي  و دلني على مكان اقامتي و سريري و رجعنا بسرعة الى الحافلة للتوجه الى منطقة قري الحرة لبدء يوم العمل المعتاد ، و وصلنا الى مكان العمل و نزلت و سجلت اسمي عند الحرس و تأكد من هويتي و بعدها دخلت الى الكافتريا لشرب شاي الصباح و من ثم تم ارشادي الى المهندس المسؤول : لؤي ، و أجرينا محادثة سريعة و تعرفنا و كان هذا ملخص اليوم الأول .

بعد الانتهاء من العمل عدنا الى السكن و تعرفت الى الروتين اليومي و هو الاستيقاظ لصلاة الفجر و الشاي باللبن مع البسكويت ، مع مشاهدة تلفزيونية للأخبار و من ثم التجهييز للترحيل و المغادرة الى الشركة و العودة في تمام الرابعة و الثلث عصرا و صلاة العصر و الغداء و مع المغرب شاي المغرب و من ثم في تمام العاشرة الحليب الساخن مع البسكويت و بعده اما التلفاز أو النوم و هكذا دواليك .

مشاهد آسرة :

جميل الريف و الأجمل هو هذا الهدوء الآسر الذي يجعلك تسمع ما بداخلك بوضوح تام مع رفقة سماء جامعة الأضداد حيث السواد الكاحل مرصع بالنجوم المتلألئة المنتظمة البعثرة شديدة التميز
ﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺮﻳﻒ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﺗﺸﺎﺑﻪ ﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻛﻨﺴﺨﺔ ﺯﺍﺋﻔﺔ ﻣﻘﻠﺪﺓ ﻣﺼﻄﻨﻌﺔ ﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺍﻟﺮﻳﻔﻲالبديع ليفصل بين حقيقة الريف و زيف المدينة خيط الفجر الذي يميز الأبيض من الأسود
شروق الشمس و نسمات الهواء الصباحية تداعب الحشائش في فناء السكن و كأن الأرض ولدت و أخذت أولى أنفاسها .

انعكاس الضوء من على خطي السكة الحديد و أنت تتحرك في مركبة سريعة ، يبدو لك كطاقة ضوئية من أفلام الخيال العلمي تسابق المركبة التي تستقلها فأحيانا تسبقها و تارة تسبقك.
شخصيات :
#عم أبو سمرا : مشغل الآليات الثقيلة ، شخصية طاعنة في السن ، ضخم الجثة ، قسمات وجهه تحكي الكثير من آثار الدهر كعلامات و شواهد على ما لاقاه في حياته ، اسمه عمر ، و لكنه يشتهر بلقب أبو سمرا ، عمل بسوتراك منذ أيامها الأولى و يحكي دائما بمرارة أنه كان يدخل على معتصم داؤود بصورة مباشرة ليطالب بمطالب العمال و يتأسى للوضع الحالي و بأن "أسياد الحق " على حد تعبيره أصبحوا محجوبين عنهم ، كان في نقابة العمال في مدني ، يتميز بالطيبة الشديدة و القوة الهائلة ، دائما ما يدخل في مشادات بسبب أكله و يناقره العمال عادة و الحرس و لكنه شخصية محبوبة جدا ، خجول و بسيط جدا ، يحظى باحترام الجميع ، و كمثال لقوته ، الجميع عندما يريد تفريغ الجاز من البرميل يحضر وصلة و فرق الضغط و لكنه يحمل البرميل و يصب في الجالون ، يتميز بحكمة صنعها الزمن ، كلماته قليلة و لكنها عميقة و بسيطة .

#عم ميرغني : فني اللحام ، أيضا من قدامى موظفي سوتراك ، من أمهر فني اللحام في السودان ، شخصية ظريفة و مرحة ، كان يغضب كثيرا لحرمانه من اجازته بسبب عمله على حفارات تحتاج الى تعديل و بعد أن استعد للرحيل حرمه المهندس من ذلك طالبا منه اكمالها يوم الجمعة ليبقى جمعتين متتاليتين دون الذهاب الى مدني حيث أولاده ، يحمل الكثير من القصص حيث عمل بالعراق لفترة من الزمن .

#عنتر صالح : رئيس الميز ، موظف في المخزن ، من الاداريين القدامى قدم سوتراك ، شخصية طريفة و لطيفة و لكن نسبة لظروف مرضية غاب عن أغلب فترتي في التدريب .

#حسن سيد أحمد : مشغل الآليات الثقيلة ، عمل في الشركة منذ 1990 وقت ما كان شابا صغيرا خريج المعهد الفني ، مميز و هادئ ، ماهر جدا ، و مزاجي جدا ، ابتسامته لا تفارق وجهه ، كثير القصص ، يمكن أن يجلس معك و يحكي لك قصة كل 5 دقائق لمدة شهر و لا تنفذ قصصه ، له اعتزاز بالنفس لا تميزه من الغرور الا بمواقف انسانية يحكيها لك .

#فؤاد : فني ميكانيكا ، قليل العمل ، أصغرهم سنا ، أ:سلهم و لكنه يحلم بالعمل في دبي ، فلا يريد من الشركة الا رفده على ما أحسسته ، كثير الهزار ، و متعب جدا لادارته .
#مستر جو : فلبيني ، أكمل عامه العاشر في السودان ، ماهر جدا ، متفاني في عمله ، كثير الهزار أوقات فراغه ، يحب زملائه و يتحدث السودانية بتكسير جميل ، فيكثر من كلمة تقضل و صباح الخير و ينطقها : فضل و صباح الكيييييير ، و بعد المشاغلات مع عم ميرغني الذي يقول له دوما "خربان" و ينفجران بالضحك ، كان يصحو فجرا ليقوم بالتمارين الرياضية .
 
#باشمهندس لؤي : مهندس لامع و مميز خريج هندسة زراعية الخرطوم ، يعاني من وضعه في الشركة كقائد لهذه المجموعة و تحت مدير لا يقدر مجهوده ولا يفمه ، طيب جدا ، يحمله المدير أخطاءه و لكنه لا يرميها على الفنيين فأصبح بين المطرقة و السندان ، و كلما يشرح لي ، يقول لي :" أنا ما بشرح ليك عشانك ، لكن عشان أحس لسة بالفرق بيني و بين ديل " يقصد الفنيين لانه يرتدي الأبرول مثلهم و  يعامله المدير مثلهم ، بالرغم من تميزه على المدير نفسه .

#باشمهندس سامي : مدير لؤي و خريج وادي النيل ، ضخم الجثة ، صعب الملامح ، قليل القدوم الى قري ، لم أتوافق معه و لم يعجبني ، شخصية لا تتحمل المسؤولية و غير كفء بمنصبه .

#حسن فوركليفت : فني الفوركليفت ، درس بالخلاوي بأم ضوا بان ، كثيرا ما تبادلنا الحديث عن الصوفية في السودان و عن صلاح أهلها ، شخصية مميزة جدا يحفظ القرآن و متواضع و بسيط جدا .

#أمير : من دال للسيارات ، يغسل السيارات ، شخصية طيبة جدا ، يقيم في الميز ، و مشهور بحبه للتلفاز فسمي بمدير القناة ، أول من رحب بي و عرفني على المجموعة .

#سامي : فني بدال للسيارات ، شخصية ظريفة جدا ، حلفاوي ظريف حقا ، كثير الضحك و المشاغلات و جملته الشهيرة ، الشركة دي حقتنا ، و يدخل في مشادات دائما مع عم أبو سمرا و يهدده بأنه سينزله للمعاش .

#عبد الله : يعمل مع عنتر صالح في المخزن ، موظف مميز ، هادئ و قليل الكلام ، طيب القلب ، حسن الأخلاق ،زميلي في الغرفة هو و باشمهندس شعبان .

#باشمهندس شعبان : صاحب اللابتوب ، شخصية طيبة و ظريفة لأبعد الحدود ، بسيط جدا و طيب جدا جدا جدا و ذكي جدا ، يتعامل بعفوية ، و يطارده حلم السفر الى أمريكا ، يساري التوجه ، يتحدث دوما عن الحزب الشيوعي في حلفا و عن ضرورة العلمانية و لكنه سئم العيش في السودان و يحلم بأمريكا ، أو على أقل تقدير المملكة المتحدة ، أكثر شخص صادقته في فترتي هو و المهندس لؤي .


هذه هي رحلتي الى الريف الشمالي ، شعرت أنه من الضروري أن أوثق لها لتبقى من أجمل ذكرياتي




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق