الأحد، 5 يوليو 2015

المشكلة الداعشية

الموضوع مجرد محاولة لافتراض فرضية ، و التحليل على ضوءها ، لمحاولة فهم الواقع الحالي لما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية في العراق و الشام ،  الفرضية بصورة مبسطة أن داعش لعبة استخباراتية ، قد تبدوا الفرضية تافهة و لكني فضلت أن استخدمها كمدخل للموضوع .
الجماعات الجهادية المتطرفة هي صنيعة للاستخبارات ابان الحرب الباردة ، اذ نجحت في استخدامهم بصورة ممتازة لضرب الاتحاد السوفيتي في أفغانستان ، و لكن ما لم يتم عمل حسبان له ، كيف سيتم استيعاب هؤلاء بكل هذا الفكر الدوغمائي و المرجعية المقدسة ، في مجتمعات ما بعد الحرب ، و فعلا حدث ما لم يكن في المتوقع فقد انتشرت هذه الجماعات و بدأت تروج للفكر المتطرف و أحيانا مدعومة من بعض دول المنطقة بغرض زعزة أمن و استقرار بعض الدول في توازنات جيو-سياسية ، اهمال مسألة اعادة دمج هذه الفئات جعلتهم ينتقلون الى أرجاء العالم و أصبحوا في مناطق مختلفة ، و بعضهم خلايا نائمة ، حتى بدأ ظهورهم من جديد ، لأن طبيعة الفكر الذي يحملونه لا يسمح لهم بالتعايش مع الآخر الديني و بدأت الهجمات و التفجيرات مع كل حدث يحصل و هنا في رأيي قد يكون انتبهت المخابرات الى الأعمال غير المنجزة لها ، الى بقايا حقول الألغام التي زرعتها ، فكيف يكون الحل سوى محاربة هؤلاء و هم أفراد متناثرون ، فكان لابد من البحث و الدراسة في نفس ذات المرجعيات و السرديات و استخراج مفهوم الخلافة من الخزانة من جديد و بث هذا الحلم ، كل هؤلاء الفرقاء سيحلمون بالوطن الديني الذي سيضحون بحياتهم من أجل اقامته متجاوزين كل الأفكار الجغرافية الجديدة لمفهوم الأوطان و الدول الحديثة التي تركها الاستعمار في المنطقة بحدودها الجغرافية و سيادتها .
الخطوة التالية كانت هي محاولة جذب هؤلاء الى مساحة جغرافية لكي تتم محاربتهم ، تم وقع الاختيار على نفس الرقعة القديمة التي تم انشاؤهم منذ البداية للقتال فيها ، أفغانستان ، و مع بعض الخلاف في من هو الذي نفذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر ، سواء كانوا هم من نفذوها (القاعدة) أو هي لعبة استخباراتية أمريكية لكسب دعم الشعب الأمريكي و الغربي للحرب مع ما يصاحبه من مكاسب في تجارة السلاح و التشديد الأمني على كل شخص ، و كل هذه الأمور المصاحبة للتحول الأخير و التي سنتركها جانبا ، دخلت أمريكا في حرب في أفغانستان استمرت عقدا من الزمن خسرت فيه الكثير من الموارد و الجنود و لكنها و بنسبة كبيرة ضربت الجماعات في مقتل ، فقد ضعفت القاعدة كثيرا ، و لكن لم تجذب فكرة اسامة بن لادن كل الجماعات فكان لابد من خطوة اضافية .
الخطوة كانت في نظري هي استخراج مفهوم دولة الخلافة من السرديات الاسلامية و محاولة ايجاد وعود بظهور جماعات معينة بصفات معينة  ، فكانت داعش ، أو أصحاب الرايات السود كما في بعض الأحاديث . فكان لابد من خلق مساحة جغرافية جديدة ، بعيدا عن أفغانستان ، فهي لا تمثل أي قداسة و ليست ذات أهمية تاريخية في التاريخ الاسلامي ، و لكن العراق و سوريا تمثل الصراع التاريخي بين السنة و الشيعة ، فبدأت مسألة غزو العراق تحت دعاوى وجود أسلحة دمار شامل ثم من بعد ذلك مسألة ازاحة صدام حسين ، أيا كان الغرض الأساسي من دخول العراق سواء كان من أجل النفط  أو ازاحة صدام حسين ، فمسألة وجود مساحة جغرافية بدولة ضعيفة و تماهي جسم الدولة في ظل الصراع الطائفي و مع قيام الثورة السورية ، برزت فكرة خلق مساحة جغرافية جديدة لمواصلة سياسة جذب العناصر النائمة نحو هذه المنطقة و القضاء عليهم أو على الأقل نقل الصراع بعيدا عن مناطق المصالح الكبرى و السلامة العامة للحياة الاقتصادية الغربية . تم ادخال المجاهدين الى سوريا تحت دعاوى مقاومة الأسد و بدعم من الخليج بعلمهم أو دون علمهم ، لخلق طرف ثالث ، لا يهمه النظام كثيرا ، و لكنه ركز جل جهوده لمحاربة الجيش الحر ، حتى لا يتم حسم الأمر عسكريا و تقوم دولة مكان الدولة الموجودة و بالتالي خسارة الرقعة الجغرافية المفترض أنها ستكون مسرح المعركة القادمة ضد الارهاب أو الجماعات الدينية المتطرفة ( الجهادية ) .
ضعف الحكومة المركزية في العراق مع ظهور الأكراد في الشمال ، أقلق بلا شك الحكومة التركية ، مما استدعاها بصورة مباشرة أو غير مباشرة لدعم الجماعات المحاربة  في سوريا و خصوصا الجماعات الجهادية ، و في خضم كل هذه التعقيدات ، صعد البغدادي المنبر ، تحت دعم لوجستي من بقايا جيش صدام ، و حزب البعث المنحل حسب ما قرأت في مقال سأشير اليه في نهاية الموضوع * .
تم الاعلان عن قيام الدولة الاسلامية الحلم ، في العراق و الشام و باحتلالها لمناطق واسعة ، بقي فقط في أركان الفرضية ، أن يتم عمل الدعاية اللازمة  و الصبر ، الدعاية لحشد الدعم المادي و دفع تكاليف الحرب المقبلة و الصبر حتى يتم جذب أغلب العناصر النائمة في مختلف أرجاء المعمورة لهذه المنطقة نحو معركة أخيرة فاصلة ، و بالفعل بدأنا نشاهد عمليات اعدام بمشاهد سينمائية و تحركت الآلة الاعلامية العالمية نحو أخبار داعش بصورة مبهرة  ، ربما الدليل على هذه الفرضية أو ما قد يدعمها هو تركيز التجنيد على المسلمين المقيمين في الغرب أو من أصحاب الجوازات الأوربية و الأمريكية أكثر من غيرهم .
الدعم السعودي أو الخليجي ، المصاحب بدعم تركي ، جعل من الأمر وجود دولة داخل دولتين في سابقة غريبة في التاريخ البشري ، معلنة من طرف واحد ، و أخذت اعتراف من دون تصويت في الأمم المتحدة ، رفضها من جهة هو اعتراف بوجودها باعتبارها أمر واقع ، و المثير للاهتمام ، هو لماذا لا تقوم الطلعات الجوية للحلفاء المشاركين في الحرب على داعش بنسفها تماما ، أو اضعافها الى حد يمكن المقاومة الشعبية و الجيش العراقي من جهة و الجيش الحر من جهة أخرى للقضاء عليها أو كسب تفوق و لو نسبيا عليها ، اذا لابد من وجود هدف من هذا الانتظار ، و نجد من المريب أيضا اختفاء وعود الأردن بالرد على حرق طيارها الكساسبة حيا .
الواقع الليبي أقرب لما يحدث ، فظهور داعش في ليبيا هو لمشابهة الحالة الليبية للحالة السورية و العراقية من حيث ضعف الدولة و جيشها و الاختلافات الكبيرة ، فبرزت أيضا كرقعة يمكن فيها جذب ارهابيي شمال افريقيا ، مع مسألة مالي في وقت سابق .
المشترك بين ليبيا و العراق هو النفط ، و كيف أن الدول الأوربية و الأمريكية أصبحت تشتري النفط العراقي و الليبي بأسعار زهيدة في ظل الحصار المضروب على ايران و روسيا من جهة أخرى . ربما يكون هذا هو السبب الأساسي و مسألة الارهاب مسألة ثانوية أو العكس فهذا ما ستكشف عنه السنين .
ربما يكون المستفيد الأكبر من هذه الدوامة ، هي الصين ، فالصين الآن تعمل في هدوء كبير مشابه لما حدث لأمريكا ابان الحرب العالمية الثانية ، و كما يقول البريطانيون ، خضنا الحرب و انتصرت أمريكا ، باعتبار أنها أخذت كل المجد .

___________________________________________
* مازن صلاح الأمير - داعش و السودان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق