الجمعة، 25 نوفمبر 2016

عن العصيان المدني أو الاضراب العام #السودان_عصيان_مدني_27_نوفمبر

" لا أظن أن أي حديث عن عصيان مدني في السودان سيكون لديه تأثير ، قطاع الخدمة المدنية المعني به مسيس بالكامل للنظام و يمكن السيطرة عليه بسهولة .
عدا ذلك نحن أمام قطاعات فئوية تتراوح أعمار غالبية منسوبيها بين 40 _ 60 و هؤلاء لن يضربوا لسبب أن نقاباتهم و ممثليهم كلهم جبهة إسلامية .
إقترحت قبلا و أعيده مرة أخرى ، قطاعات الشباب يجب عليها التحرك في ثلاثة مسارات مختلفة ، الأول تشكيل وحدات الأحياء السكنية.
الثاني تفعيل و تنظيم وقفات إحتجاجية فقط لموضوع الدواء ، الثالث و هي مهمة الأحزاب في الغالب مخاطبة المواطنين في الأسواق تعبئتهم ضد النظام .
الوصول لمظاهرات منظمة و مخطط لها و بتنسيق بين الأحياء لن يتم إلا بنقل الروح العامة من التضامن للفعل الإحتجاجي و من ثم تطويره للتظاهر .
الوقفات الإحتجاجية ليست موضوعا ضخما ، 50 شخص مثلا بلافتات تحمل شعارات معينة لمدة زمنية قصيرة و بيانات بسيطة توضح الفكرة ، هذا كل ما في الأمر.
الأهم من كل هذا ، حماية الوقفة بتوزيع فرق مراقبة بعيدة عن الحدث تراقب تحرك الأجهزة الأمنية لمنع إعتقال أي فرد و ضمان السلامة للمشاركين ." - مازن الأمير

مازن الأمير وضح صعوبة القيام بعصيان مدني أو الاضراب العام في وضعنا الحالي ، انا حاتكلم شوية عن ماهية الاضراب و العصيان المدني نفسه.

نقتبس من نعوم تشومسكي المقتبس من ديفيد هيوم :
Noam Chomsky:
" Well, I think the real optimistic element in the book is the Condorcet quote about power really being in the hands of the masses if they take it. In the mind, and in fact that goes back to and he was probably quoting David Hume, who in “The First Principles of Government” makes that point very clearly. He says it’s surprising to see the easiness with which the great mass of the population is subordinate to their governors, because power is in the hands of the governed, and if we inquire into the means by which this wonder is achieved we see that it is by consent alone that the powerful are able to govern. Meaning that if the governed refused to consent, to use your words, the game is over."


ملخص الاقتباس انه العلاقة بين الحاكم والمحكوم هي علاقة في أبسط و أوضح صفاتها انها علاقة مبنية على الموافقة بعد داك تشكيل الموافقة ..
و كيف تم الحصول عليها دي تعقيدات تانية. علاقة القوة أو السلطة في أساسها هي علاقة موافقة بي حيث المجتمع كجسم عنده أداة تمثله هي الدولة..نائبة عنه في مواجهة مع المجتمع نفسه كأفراد يعني في النهاية بتتحول لي علاقة فرد بي فرد.

الاضراب هو التوقف عن العمل بصورة مقصودة بي بساطة جدا ، و بيتم من قبل مجموعة من الأُجراء و بيتوجه ضد رب العمل لي أسباب مختلفة.
في حالة انه الاضراب تم من المجموعة العاملة لدى الدولة ، هنا الدولة حتكون رب العمل.هنا بيتم ارجاع العلاقة بين الحاكم و المحكوم لي حقيقتها..الأولية و الجوهرية،علاقة الموافقة. هنا بيتم مسائلة علاقة القوة ومكانها، وين السلطة الحقيقية، هنا بيتم محاولة لنقل القوة من الأداة للمجموعة،من الدولة للمجتمع من جديد بي مقاومة الموافقة برفض اطاعة السلطة. و بي عبارة أخرى نوع من العصيان المدني.

أثر اضراب فئة اجتماعية أو مهنية في الدولة، بالاضافة لي انه بيعطل خدمة ما و بيشلها و بيخلي في طرف متضرر فغيابها بخليه يحس بي أهمية الفئة دي.
الفئة المعينة هنا مفروض تسوق لي قضيتها بحيث انه يتفهم هي ليه توقفت عن العمل، لو قدرت تكسب الفئات المتضررة معاها موقف الاضراب بيقوى.

مقابل استعادة علاقة القوة القديمة ، رب العمل (الدولة) حيضطر انه يتنازل و يلبي طلبات الفئة المضربة. اذا رفضت الدولة و اتدخلت فئات أكتر..و نفذت اضرابات والمسألة اتطورت ممكن تصل حد تشل فيه الأداة المكتسبة قوتها من الموافقة، في الحالة دي الدولة بتتشل تماما و دا العصيان المدني.
أو الاضراب العام، التعريفات متداخلة في الموضوع دا ، في تعريفات للعصيان المدني ما بالضرورة انه الاضراب العام ، لكن أي فعل جماعي مخالف للقانون في حدود مطالبة معينة و بيتم اللجوء ليه بعد استنفاذ كل الوسائل القانونية المتاحة. في تعريفات تانية بتحصر العصيان المدني على احتلال مساحة عامة.
الأمثلة للعصيان المدني منها حركة غاندي لرفض قوانين في الهند و تاني الحركة نفسها للاستقلال من الاستعمار البريطاني و كان متمثلة في موضوع الملح.
الحكومة البريطانية كانت بتفرض ضريبة على انتاج الملح ، غاندي كان عمل مسيرة الى منطقة داندي لانتاج الملح دون دفع ضريبة أثناء مسيرته انضم ليه عدد كبير من الهنود و الموضوع دا أدى لي احتكاك مع الحكومة المستعمرة واعتقاله و بروز حركة احتجاج واسعة بعد عدد من الأحداث انتهت باستقلال الهند.
من الأمثلة برضو حركة الحقوق المدنية في أمريكا ، مارتن لوثر كنغ و النضال ضد القوانين بصورة جماعية، من قوانين الفصل العنصري الى حق التصويت.

الفكرة بيكون في مطلب بسيط و واضح ، بيطالب بيه المتضرر و لمن ما يلقى تجاوب بينقل الصراع لي مخالفة القانون المعين بصورة مباشرة و جماعية.

تشومسكي بيقول انه الدولة عندها القدرة و السلطة انها تحدد ما هو قانوني ، لكن السلطة ما بترادف دائما العدل أو الحق.

التعريف المرتبط في أذهان السودانيين عن العصيان المدني هو الاضراب العام ، و دا التم في ثورة أكتوبر 1964 و انتفاضة مارس أبريل .1985
ممكن تلقوا تفاصيل أكتر عنها في سلسلة التغريدات دي : https://twitter.com/MKMBHS/status/452703262870106112
نختم ب
Servan:
" The ideas of crime and punishment must be strongly linked and follow one another without interruption ... when you have thus formed the chain of ideas in the heads of your citizens, you will then be able to pride yourselves on guiding them and being their masters. A stupid despot may constrain his slaves with iron chains; but a true politician binds them even more strongly by the chain of their own ideas; it is at the stable point of reason that he secures the end of the chain; this link is all the stronger in that we do not know of what it is made and we believe it to be our own work; despair and time eat away the bonds of iron and steel, but they are powerless against the habitual union of ideas, they can only tighten it still more; and on the soft fibers of the brain is founded the unshakable base of the soundest of Empires"
في قصة بتتحكي عن انه سمكتين في بحر و لاقوا سمكة سلمت عليهم و قالت ليهم : صباح الخير ، كيف الموية الليلة ؟؟ . بعد داك السمكتين سبحوا مسافة و اتلفتت واحدة على التانية و قالت ليها : الموية دي شنو ؟؟؟. الأشياء المأخودة انها الطبيعي هي سلسلة الأفكار الاتكلم عنها Servan فوق و انها السلسلة الما بتتأثر بالصدأ و ما بتضعف و بيقوها الناس براهم. هي السلسلة البتحكم حياتهم و تتحكم فيها ، الاضراب ميزته الأساسية انه بيقول للسمك كيف الموية الليلة ؟ ، و السمك ببدأ يسأل الموية دي شنو ؟ ، السؤال دا لمن يتجاوب بيفتح اسئلة كتير بتشكل وعي و بتشكل فرصة لي عمل تغيير في معادلة السلطة القائمة بي علاقاتها و توازناتها.

من ناحية نظرية التسلسل الطبيعي بكون تظاهر نقابات و هيئات مهنية و بعدها بيتم اعلان عصيان مدني(اضراب عام) و بعد داك بيتم التظاهر من داخل الاحياء و بتنتهي المسألة بانحياز الجيش للشعب و سقوط النظام ، المسألة دي نظريا صعبة ، بس بنقول من الجماهير و اليها نتعلم منها و نشارك بالبنقدر عليه و المسألة ما تكون تنظير و احباط لكن زي ما بقول غرامشي " تشاؤم الفكر و تفاؤل الارادة" ف #السودان_عصيان_مدني_27_نوفبر.

و نريد الأحد على شاكلة : " كان المكان صامتًا، لا كما تنعدم الضجة، ولكن كأن النطق لم يُخلق بعد! " - الطيب صالح

الخميس، 6 أكتوبر 2016

عن الإضراب

Servan:
" The ideas of crime and punishment must be strongly linked and follow one another without interruption ... when you have thus formed the chain of ideas in the heads of your citizens, you will then be able to pride yourselves on guiding them and being their masters. A stupid despot may constrain his slaves with iron chains; but a true politician binds them even more strongly by the chain of their own ideas; it is at the stable point of reason that he secures the end of the chain; this link is all the stronger in that we do not know of what it is made and we believe it to be our own work; despair and time eat away the bonds of iron and steel, but they are powerless against the habitual union of ideas, they can only tighten it still more; and on the soft fibers of the brain is founded the unshakable base of the soundest of Empires" 

Noam Chomsky:
" Well, I think the real optimistic element in the book is the Condorcet quote about power really being in the hands of the masses if they take it. In the mind, and in fact that goes back to and he was probably quoting David Hume, who in “The First Principles of Government” makes that point very clearly. He says it’s surprising to see the easiness with which the great mass of the population is subordinate to their governors, because power is in the hands of the governed, and if we inquire into the means by which this wonder is achieved we see that it is by consent alone that the powerful are able to govern. Meaning that if the governed refused to consent, to use your words, the game is over."

طيب الاقتباسين الطويلات ديل ملخصهم انه العلاقة بين الحاكم و المحكوم هي علاقة في أبسط و أوضح صفاتها انها علاقة مبنية على الموافقة ، بعد داك تشكيل الموافقة و كيف تم الحصول عليها دي تعقيدات تانية. بس علاقة القوة أو السلطة في أساسها هي علاقة موافقة بي حيث المجتمع كجسم عنده أداة تمثله هي الدولة نائبة عنه في مواجهة مع المجتمع نفسه كأفراد يعني في النهاية بتتحول لي علاقة فرد بي فرد.
الاضراب : الاضراب هو التوقف عن العمل بصورة مقصودة بي بساطة جدا ، و بيتم من قبل مجموعة من الأُجراء و بيتوجه ضد رب العمل لي أسباب مختلفة. في حالة انه الاضراب تم من المجموعة العاملة لدى الدولة ، هنا الدولة حتكون رب العمل. و بالربط مع الفقرة الفوق ، هنا بيتم ارجاع و تبسيط العلاقة بين الحاكم و المحكوم لي حقيقتها الأولية و الجوهرية ، علاقة الموافقة ، هنا بيتم مسائلة علاقة القوة و مكانها ، وين السلطة الحقيقية ، هنا بيتم محاولة لنقل القوة من الأداة للمجموعة من جديد بي مقاومة الموافقة برفض اطاعة السلطة.
أثر اضراب فئة اجتماعية أو مهنية في الدولة ، بالاضافة لي انه بيعطل خدمة ما و بيشلها و بيخلي في طرف متضرر ، طرف مستفيد من الخدمة دي ، فغيابها بخليه يحس بي أهمية الفئة المعينة ، الفئة المعينة هنا مفروض تسوق لي قضيتها بصورة واضحة ، بحيث انه يتفهم هي ليه توقفت عن العمل ، و لو قدرت تكسب الفئات المتضررة معاها هنا موقف الاضراب بيقوى و قوته للضغط حتزيد. مقابل استعادة علاقة القوة القديمة ، رب العمل (الدولة) حيضطر انه يتنازل و يلبي طلبات الفئة المضربة. اذا رفضت الدولة و اتدخلت فئات أكتر و نفذت اضرابات و المسألة اتطورت ممكن تصل حد تشل فيه الأداة المكتسبة قوتها من الموافقة ، في الحالة دي بيكون الدولة اتشلت تماما و دا العصيان المدني.
في قصة بتتحكي عن انه سمكتين في بحر و لاقوا سمكة سلمت عليهم و قالت ليهم : صباح الخير ، كيف الموية الليلة ؟؟ . بعد داك السمكتين سبحوا مسافة و اتلفتت واحدة على التانية و قالت ليها : الموية دي شنو ؟؟؟. الأشياء المأخودة انها الطبيعي هي سلسلة الأفكار الاتكلم عنها Servan فوق و انها السلسلة الما بتتأثر بالصدأ و ما بتضعف و بيقوها الناس براهم. هي السلسلة البتحكم حياتهم و تتحكم فيها ، الاضراب ميزته الأساسية انه بيقول للسمك كيف الموية الليلة ؟ ، و السمك ببدأ يسأل الموية دي شنو ؟ ، السؤال دا لمن يتجاوب بيفتح اسئلة كتير بتشكل وعي و بتشكل فرصة لي عمل تغيير في معادلة السلطة القائمة بي علاقاتها و توازناتها.
الأطباء الليلة قاموا بي اضراب و بي مواقف واضحة و بي تضامن ممتاز من عدة فئات مهنية تانية ليها علاقة بالمجال الصحي و البعض خارج الحقل الصحي. الأطباء الحكومة سابتهم في مواجهة مباشرة مع الشارع من دون أدوات و من دون تدريب و من دون حماية ، الشارع بينظر انه التقصير من نهاية السلسلة ، بعاين للطبيب و بيطلع فيه احباطه و حزنه و غضبه لأنه الكائن الموجود قدامه ، لكن لمن الطبيب يتوقف عن العمل عشان 1 2 3 ، و يوريها للشارع ، هنا الطبيب بيعيد صياغة السؤال لي وضعه الحقيقي ، سؤال التقصير الأساسي سببه شنو ؟ من هو المسؤول ، بيخلي المواطن في مواجهة الجهات التنفيذية ، بيخلي المواطن يسأل يعني شنو موية ؟.
في الختام بتمنى التوفيق لي أطباء السودان في اضرابهم و في انتزاع حقوقهم و حقوق المواطن السوداني في بيئة صحية تحترمه و تحترم الطبيب و تأهله و تساعده على تأدية عمله بي كفاءة عالية.

الجمعة، 8 أبريل 2016

قصة نملة



في حلقة زجاجية..
القليل من حبيبات السكر التي لم تذُب جيداً..
يرتفع عصير الليمون عبر الشفاطة ليمر عبر رحلة إلى شفتيها..
قطرة تسقط على الأرضية الاسمنتية للمطعم الساحلي في الإسكندرية.. حيث الكثير من السياح والضجيج..
على جانب كرسيها، تصل القطرة إلى مثواها الأخير.. ترتطم بالاسمنت، وتأخذ كامل استطالتها قبل أن تتطاير وتتناثر..
على بعد سنتميترات قليلة، تبدأ النملة رحلتها.. من بين كل المرات التي يقودها فيها حدسها نحو الغذاء، كانت هذه المرة مختلفة..
تحركت النملة نحو مكان حادث السقوط، وقامت برسم مكان السقوط بقرني الاستشعار، وبعدها عادت إلى المملكة لتسليم تقريرها إلى رئيسها المباشر..
أكملت الفتاة عصير الليمون وغادرت المطعم.. الفتاة من بلدة في ريف السودان، كان والدها ترزي حريمي من الأشهر في العاصمة، كان محله ممتلئاً بالزبائن والأقمشة من أفخم الأنواع..
عادت النملة لمحاولة تحديد نسبةالجلكوز في بقعة السقوط.. بعد أخذ العينات الأولية والعديد من الفحوصات تبين أن السكر الموجود ذو نسبة عالية ولكن به مادة مجهولة..
قرر المعمل إرسال التقرير للرئاسة لبدء عمليات الحفر في مكان الحادث، كانت نقلة اقتصادية كبيرة للمملكة.. فقد قرر الأمريكان أن ينقبوا عن النفط في الحجاز..
جلس أحد الأمراء مع مهندس أمريكي وتجاذبا أطراف الحديث عن فلوريدا وجدة والساحل الشرقي حيث مدينة الخبر..
في العام التالي.. عادت الفتاة ليلى مرة أخرى إلى نفس المطعم، وتفاجئت بعدم السماح لها بالدخول..
جاء الملك بنفسه في زيارة سريعة للاسكندرية، وتم غلق الساحل بالكامل..
وجد النمل قبل عام مادة غريبة، وبعد إجراء المزيد من الفحوصات.. توصلوا إلى ضرورة تغيير الأغذية المختلطة بالسكر والتوجه نحو مواد أكثر استدامة وصديقة للبيئة..
بعد مائة عام..
أدى اكتشاف النمل للسكر واكتشاف البشر للنفط إلى فناء الجنس البشري..
والحياة بشكلها المعتاد على الكوكب..
النمل لم يوافق على التخلي عن السكر.. وفي نهاية المطاف عانى نفس مصير البشر..
تلك الفتاة السودانية، كانت تدعى ليلى السيد حسان.. طالبة في جامعة الاسكندرية..
ذهبت للمرة الأولى للمطعم لتقود ثورة التغيير البيئي في مملكة النمل، عن طريق الصدفة.. فأهدت الوجود المعركة.. بين نشطاء البيئة والملك الحجازي الذي أغلق الساحل بأكمله..
وبعد الاحتجاجات والمظاهرات اضطر الوفد الحجازي لمغادرة المكان..
الانتصار لم يكن لحرية التنقل فقط.. بل اعتبره البيئيون ضربة أخرى للقوى المثبطة لعملية التحول نحو المصادر النظيفة للطاقة..
جلس حسن في النهاية المقابلة للطاولة التي جلست عليها ليلى..
 ....
....
.....

حسن، شاب سوداني اعتصرته ظروف الحياة ببلده واضطر للعمل في الخارج، فكان نادلاً في ذلك المطعم وقف يتأمل سقوط القطرة ورسم كل هذه الحكاوي في مخيلته.. 

الخميس، 10 مارس 2016

زيارة الأموات

زيارة الأموات ليست هنا المعني بها أموات البشر ، و لكن أموات الذكريات و ربما الفرق ليس بالأمر الصارخ الوضوح ، هل البشر كأجساد يعنون لنا الكثير ؟؟ يموت الآلاف في كل أنحاء العالم ، لا نعلمهم لا تربطنا بهم ذكرى ، و ربما لم نسمع بموتهم. فبمجرد أن يتحولوا الى أرقام ربما نتأثر قليلا اذا سمعنا و لكن ان لم نسمع ففينا ما يشغلنا من أوجاع ، هل إذا هي الذكريات التي تصنع الترابط بين البشر ؟ لا تكن سخيفا ، المجتمع ليس سوى علاقات مادية تحكمها المصلحة المال هو عصب الحياة ، المال هو المجتمع. ربما تكون محقا و لكن كل ذلك لا يعني بالنسبة لنا شيئا ، فالمنظومة التي تتحدث عنها تعمل في عمق العلاقات في مستويات غير مرئية فهي أقرب لقوانين ميكانيكا الكم عندما تريد أن تخبر الطفل من جنوب الصين الذي يعمل مقابل حفنة من المال بأنها تؤثر على مسألة وجود الإله من عدمه. قد تكون محقا و لكن لا تنسى بأنك ذكرت المال هنا لتحدد مستوى فهم الطفل ألم أقل لك ان المادة تلعب حتى في أمثلتك للتوضيح ، لا فكاك من الرأسمالية. أنا لم أنكرها كما لم أنكر وجود و صحة قوانين الكم فقط ما أردته هو ...

أحس حسن بحذاء ثقيل يجثم فوق صدره مع أصوات ضحكات العساكر ، تلك الأصوات التي عادة ما تصدر عندما يذكر الجنس في النكات. علم أنه قد شرد في أفكاره و لم ينتبه لدخول ضابط التحقيق الى غرفته فأعاده الحذاء العسكري برائحته الجلدية المميزة الى الواقع مرة أخرى و قبل أن ينتهزه الضابط فكر حسن في مستوى قوانين الكم مرة أخرى ، ما أردته هو ليس التقليل من احتمالية الطفل في استيعاب المحتوى الموجود في قوانين الكم و لكن ما أردته هو ضعف اهتمامه بمثل هذه الأمور. حسنا و لكن لماذا ضعف الاهتمام ، ما الذي قادك مباشرة الى هذه الخلاصة ؟ و لماذا ذكرت دخله القليل و لماذا الصين تحديدًا ؟ أنا أعلم أنك لم تقصد التقليل من ذكاء أو قدرات الطفل و لكن انقيادك المباشر و الطريقة التي ركبت بها مثالك توضح أن قوانين الكم أو المال الذي غلفته بها هو الذي يعمل خلف الكواليس في مستوى ما قبل الفكرة. فأنت تعلم أنه الطفل في الصين يأخذ حفنة قليلة من المال فهو بنسبة كبيرة سيكون ذو حظ قليل من التعليم و الاطلاع و في الغالب حظ أقل في الوصول الى أشياء مثل الانترنت ، أشياء ربما يشارك هو نفسه في صناعتها و لكنها غريبة عنه. أنت لم تختر مثالك بعشوائية تامة كما ظننت ، بل هو المال يعمل في كل المستويات ربما لهذا كرهه آينشتاين لأنه اله يلعب النرد. حسنا قد يكون و لكن ...

بعد أربعة ايام من التحقيق المتحضر و الهادئ من قبل ادارة الأمن خرج حسن من غرفته و تم نقله الى منشأة لإعادة تأهيله و هناك تذكر الحذاء الجلدي للضابط فوالد حسن لا لم يكن في الجيش و لكنه كان في مصنع الأحذية الذي يزود القوات النظامية بالأحذية و المنتوجات الجلدية ، كان يعمل لوردية طويلة من ما جعل احتكاكه مع حسن و اخوته قليل و لكن حسن يذكر كيف أن يدي والده المليئة بالشقوق و آثار الجروح الأيدي الشديدة الخشونة كيف تتحول الى حرير عندما يصافح حسن مبتسماً بكل فخر عندما كان يسلمه درجاته النهائية في آخر كل عام دراسي ، كيف كانت تتحول الى دفء عندما يحتضن بنته الصغيرة و يمسح على خدها ، تلك الرجفة الخفيفة في عينيه و اللمعة الأخاذة. قد يكون و لكن خذ مثالا آخر كوالدي مثلا ، فهو يعمل في المصنع الذي زود الضابط بنفس الحذاء الذي ضغط به على صدر ابنه في التحقيق ، كيف لوالدي أن يعلم أن هذا يمكن أن يحصل. لم يكن والدك ليعلم و لكن ليس هذا ما يجب أن تسأل نفسك اياه ، السؤال هو لماذا توجد قوات نظامية من الأساس ليقوم لها مصنعا كاملا يصنع الأحذية التي تضغط على صدور أبناء المستضعفين ، ربما ليس لوالدك علم أنك من ستعصر بحذاء صنعه هو مقابل أن يعلمك ما سيعرضك في النهاية لتكون تحت ذلك الحذاء و لكنه بالتأكيد يعلم أن ما يصنعه كان يعتصر صدور الكثير من الناس غيرك و ربما هو أيضا تعرض في يوم من الأيام لأن يعصر بحذاء من صنع يده. حسنا اذا فالعيب في المنظومة ككل و لكن لا يمكن تغييرها نحن ضعفاء جدا لنقوم بتغييرها ، و لقد رأيت كيف انتهت كل المحاولات و الأصوات الشجاعة تحت ذلك الحذاء الثقيل و هذا الذي كنت أحاول أن أقوله لك منذ البداية هذه القوانين موجودة و لكنها تعمل في مستوى لا يمكننا تغييره. السؤال مرة أخرى يجب أن يعاد صياغته ، كيف علمت أنه لا يمكن تغييره ، محاولة صغيرة واحدة فاشلة مقابل كل هذا الزمن من الصراع الطويل و الأرواح التي زهقت في سبيل التغيير ، كم هي ضئيلة و تافهة تجربتك في خضم هذا الكم الهائل من التجارب النضالية. نعم هي تافهة و لكنها كانت كافية جدا لتنضم الى ذلك الكم الهائل الذي يجيب عن السؤال ذات الاجابة السهلة لا توجد فائدة...

توعك حسن و تم نقله من منشأة اعادة التأهيل النفسي الى المشفى ليتم علاجه و أثناء تلك الليلة بقي حسن تحت تأثير الأدوية و المسكنات يهذي قليلا. تذكر حسن أن أحد خصومه كان يرتدي ابتسامة بلهاء لم يعرف لماذا تذكره في هذا الوقت ، انمحت ذكراه سريعا و انتقل حسن الى مشهد آخر ، من الكلية و هو يقف على أحد أبواب الكافتريات لمح عيونا حزينة ، كانت رائحة الحزن لا تخطئ قلبه و تبع الرائحة حتى أوقعته في حب تلك العيون. هنا تعرض جسم حسن لهزات عنيفة مما اضطر الممرضات لاستدعاء الطبيب المناوب حتى يحاول أن ينعشه و لكن باءت محاولاتهم بالفشل و بالقرب من سريره وجدوا رسالة بخط يده و بالقرب منها ورقة صغيرة مكتوب عليها : " في هذا الوقت من الليل لا صوت عدا صوت الذكريات حين تموت ، فهذا الوقت هو لزيارة الأموات، فابتسم ابتسامة بلهاء فقد تكون هي إحدى محاسنك فيما بعد " .


مات حسن فربما تكون قد تأثرت لموت حسن الآن على الرغم من أنه شخصية خيالية ، أكثر من موت البشر ، فالموت ربما كما قال الفيلسوف لا يعني لنا شيئا ، نكون فلا يكون و يكون فلا نكون ، ربما و لكن درويش كان أكثر حكمة عندما قال : " الموت لا يوجع الموتى ، الموت يوجع الأحياء" . ما ننعيه اليوم ليس حسن و لكن حب حسن لتلك العيون الحزينة ، فتلك الذكرى التي يجب أن ننعيها اليوم.