الأحد، 27 أبريل 2014

قصة حب في صراع الطين و النار

  
   في غياهب الحزن و مدارات الضياع ، في حسرات الشوق و بين أنين القلب الراقد على ضفاف نهر حبك الخالد ، هنالك بذرة النور ، تشع أحيانا بعضا من أمل و شيئا من يقين ، هي فقط تلك البقعة المضيئة في وسط رماد القلب المحترق بالفراق . هناك فقط يجتمع الأضداد ، الحياة و الموت ...

  قصة حب كتبت على أرصفة الشوارع ، بدأت في الشارع و انتهت فيه ، لخصت في لحظات بسيطة ، هي في جانب و هو على الجانب الآخر ، من طريق سريع ، أو بين طرفي جسر ، هي تسكن الجسر و هو يخشى الجسور ، ناداها من طرف الطريق و هي مشغولة بالكتابة ، و أصوات السيارات المسرعة تشوش عليه ، كتب اليها أن تترك المحمول و تنظر أمامها ، و هنالك فقط وجدته واقفا أمامها تماما كقدرها ، نظرت اليه بكل وضوح ، رأت قلبا يتلهف الى أن يطير من طرف الطريق اليها دون جسد ، تحمله الروح كجناحين لينزل عندها و يجثو على ركبتيه مجازا ، ابتسمت له ، فأرسلت شعاعا من نور ، أنار الطريق و نقله اليها في لحظات كنقل عرش بلقيس الى نبي الله سليمان . عبر الطريق لحمه بعد أن عبر قلبه بدقائق ، ربما كان انفصام القلب علته التي أدت الى تلك النهايات الحزينة ، أو قد يكون فارق القدرات بين الروح و الجسد ، الحب يصنع المعجزات فالحب سر الوجود .

  حكاية الجسر كانت السباقة ، فهي كما قلنا تسكن الجسور و هو يخشاها منذ صغره ، ناداها بأن تأتي الى الضفة حتى يفصح عن حبه ، فقالت له تشجع ان أردتني و أمضي إليّ غير منكسر و غير خائف ، فأنا إن لم أكن الطمأنينة لقلبك فلم تحبني و لم تستحقني ، فأنا الحسناء و مهري ليس مالا و لكن قلبا محبا عاشقا لا ينتحر و انما يحب الحياة ان استطاع اليها سبيلا و ان لم يستطع ، فأخافه حبها أكثر من الجسر و لحظتها رفرف قلبه للمرة الأولى سابقا جسده ، قدم اليها تحمله فراشات من نور ، طرد ظلام الخوف و اطمأن بها ، فكانت جمال الروح و الجسد ، رأى فيها شيئا من خرافة ، رآها نصفين يتصارعان ، نصف من شجر أخضر و نصف من نار مشتعلة ، فأسكنته نفسها مستقرا و مقاما و ألبست قلبه عقدا من زهر و النار كانت بردا و سلاما لفراشات الروح التي اختلطت ببعض اللهب في مزيج العشق الروحي السامي . فاكتمل المشهد باتحاد قلبه مع جسدها المتناقض الفوضوي من جهة و المتسق الأخضر من نصف آخر .

و لكن الجسد ظل واقفا عند الضفة ، طرف الطريق  و ضفة الجسر قبل ذلك، فالجسد دوما رهين العقل ، و العقل لا يعمل الا بالتجارب و المقارنة و المقاربة و التحليل ، نعم العقل مُتعِب جدا ، وَلَّدَ العقل التناقضات و أخذ ينظر الى المشهد المقدس في الجسر ، و لكنه لم يرى ما رأينا من جمال ، بل رأي فقط نصف النار يأكل الطين و الشجر ، و أن القلب لابد أن يُزدَجر ، و أن القلب لا بد أن يعود كي لا ينتحر . كذَّبَ العقل بالشجر ، و لم يؤمن بأن النصف قد يبقى وفيا للحب و أن الحب يوما ما سينتصر ، أبقى العقل الحب قيد الشك و قيد النظر . فكان القيد الذي يجب يوما أن ينكسر و يا ليته ما انكسر .

و بعد الشهور الأولى من هجرة القلب الى خضرة الأرض الطينية في نصف الحبيبة ، عاش أميرا في ممكلة الطين الخضراء ، عاش سيدا محبوبا ، و لكنها حبسته بعض الشئ في القلعة ، و كان فقط يخرج معها ، لم تتركه يرحل الى النصف المحترق ، لم تتركه يرى ما يحدث من فوضى في نار النصف الآخر نصفها ، لم تعلمه بالمعارك الدائرة هنالك ، و حينها وقع ما قد كان العقل منه قد حذّر و أنذر و استوعد و استنكّر . بدأت النار تمتد الى النصف الأخضر و تلتهم الشجر ، و لكن قلبه ما زال حبيسا لديها في القصر ، و همَّ العقل ينادي انك محروق يا قلبي فاخرج منها وفيك شئ من حياة ، و لكن لم يسمع القلب و أهملته شهرا يسعى خلف سراب العشق في مملكة الشجر .

  عقلها رغم ذلك لم يكن كقلبها ، فلقد أحب عقل حبيبها جدا ، و كان يناديه و يناجيه و بالأفكار يغازله و يجادله ، تناقشا مطولا في الخلق و الكون و كل ما هو من حيرة و شك ، دينا و ايمانا و علما و كل ما كان مثيرا للجدل ، تنقلا بين أفكار اليسار و هرطقات اليمين ، بين صدق الحياة في فكرة اليسار و مفهوم العدالة ، و بين النزعة الفردية و الحرية في مفاهيم الليبرالية ، استفاضا عميقا في الجدل ، غضبا أحيانا و لكن عقله أخيرا عشق عقلها و لكن بحذر القيود التي لانت لعقلها حتى انكسرت في سهولة و يسر و كان لها من الذكاء و العبقرية ما جذب عقله الى تفكيرها المتطور ، فلعقلها حسن لا تخطئه بصيرة جاهل دعك من شخص مستنير  .

  بانكسار العقل ، رحل الجسد اليها فالتقيا في الجسر و ظل قلبه يحب قلبها المتخفي و الذي حبسه في القصر ،  و عقلها يحب عقله الحذر الملئ بالشكوك و الذي كسر القيود مأسورا بجمال فكرها ، و لكنه أتى متأخرا ، ففي ذلك الوقت قام قلبها برفض قلبه و دخلت هي في لب الصراع بين عقلها المسيطر على النصف الأخضر الطيني و قلبها المسيطر على النار ، فأحرق قلبها فراشات روحه حتى لا يستطيع قلبه الفرار ، و بدأت  بالزحف على القصر الطيني الأخضر ، و عقلها في الوقت نفسه قام يصرخ ، يا عقل حبيبي قُم فخذ بعضا من طيوري و أنقل قلبك اليك حتى لا يموت محروقا بنار قلبي و تكرهني للأبد ، قام عقلها باخراج القلب و لكن من دون فراشات الروح وصلت النيران الى القلب المهاجر و أحرقته الا نقطة ، تلك النقطة كانت ذكرى التوحد الأول ، يوم قَبَّلَ القلب القلب و اسكنه ممكلة الطين الاخضر ، تلك النقطة كانت قبلة القلب للقلب فصارت نورا و النار لا تحرق النور ، فأخذت الطيور القلب المحترق الا نقطة الأمل ، و أعادته الى الجسد و انهار الجسر و جرفه النهر بعيدا مع جسدها المتصارع المتناقض داخليا ، و عقله كان قد  درب الطيور لتحمل الجسد بالقلب المحترق معا الى الضفة الأخرى ، عبر النهر .

  انتهت الحكاية بعبور النهر ، فلقد تركته و رحلت ، جرفها التيار ، تركت له قلبا محروقا ، و أخذته من ضفته الى الضفة الأخرى ، فصار غريبا مغتربا عن وطنه ، نعم هي قصة قلبٍ أحرق قلباً الا نقطة ، نقطة نور في وسط غياهب الفراق ، تلك النقطة التي ظلت هي الفرحة الوحيدة في دنياه ، هي التي تعطيه الأمل في الحياة ، و لكنها أيضاً تتسبب له في وجع مزمن يعرف أحيانا بالحنين ...

النهاية .

الخميس، 24 أبريل 2014

رفيقة النور

  • إِشتَدَّ الظلام يا رفيقة ، ابتعدتِ بنارك و نورك ، أفتقد نقاشاتنا الفكرية ، أفتقد خلافاتنا ، أفتقد ما لم أكن أظن يوما أني فاقده .     
  • إِشتَدَّ الظلام يا رفيقة ، و تاه الدرب مني ، و الشمس ؟ الشمس غابت برحيلك ، أكنت الشمس حقا في زِيِّ البشر ؟ ، لا يهم فقد أتى الليل و الوحدة و الأرق .
  • إِشتَدَّ الظلام يا رفيقة ، فما نوري الداخلي الا خليط مشاعر و أفكار قديمة ، نفختي فيها من سحرك فالتهبت مضيئة ، و كانت بردًا و سلامًا و سراجًا منيرا .
  • إِشتَدَّ الظلام يا رفيقة ، و تكالبت علي الهموم و الأفكار ، الآراء و الأحداث ، العقول و التجارب ، و لم أجد من أشاركه و يسمعني ، أين أنت يا رفيقة؟؟ .
  • إِشتَدَّ الظلام يا رفيقة ، و نزلت من مكاننا ، و رحلتي عني في وقت التغييرات الجذرية التي بدأت تضرب أفكاري ، من سيهديني الى النور يا نوري .
  • إِشتَدَّ الظلام يا رفيقة ، و لكنك علمتني أن الأمل في الغد يبدأ من الداخل ، و أن النور آت ، علمتني أني سأجد من توقدني كنار المجوس فلا أنطفئ .
  • إِشتَدَّ الظلام يا رفيقة ، ظلام الحزن و الفقد و الحنين ، ظلام الوحدة و الشجن ، هل أنت بخير ؟ ، أنيري لي آخر الدرب لأعلم أنك بخير .
  • إِشتَدَّ الظلام يا رفيقة ، هل فارقك الحزن أخيرا و نفضتي غشاءه الكئيب ، هل فجرتي الفرح ؟؟ ، أوقفي الدموع و أكملي الطريق فربما نلتقي في النور يوماً .