الخميس، 10 مارس 2016

زيارة الأموات

زيارة الأموات ليست هنا المعني بها أموات البشر ، و لكن أموات الذكريات و ربما الفرق ليس بالأمر الصارخ الوضوح ، هل البشر كأجساد يعنون لنا الكثير ؟؟ يموت الآلاف في كل أنحاء العالم ، لا نعلمهم لا تربطنا بهم ذكرى ، و ربما لم نسمع بموتهم. فبمجرد أن يتحولوا الى أرقام ربما نتأثر قليلا اذا سمعنا و لكن ان لم نسمع ففينا ما يشغلنا من أوجاع ، هل إذا هي الذكريات التي تصنع الترابط بين البشر ؟ لا تكن سخيفا ، المجتمع ليس سوى علاقات مادية تحكمها المصلحة المال هو عصب الحياة ، المال هو المجتمع. ربما تكون محقا و لكن كل ذلك لا يعني بالنسبة لنا شيئا ، فالمنظومة التي تتحدث عنها تعمل في عمق العلاقات في مستويات غير مرئية فهي أقرب لقوانين ميكانيكا الكم عندما تريد أن تخبر الطفل من جنوب الصين الذي يعمل مقابل حفنة من المال بأنها تؤثر على مسألة وجود الإله من عدمه. قد تكون محقا و لكن لا تنسى بأنك ذكرت المال هنا لتحدد مستوى فهم الطفل ألم أقل لك ان المادة تلعب حتى في أمثلتك للتوضيح ، لا فكاك من الرأسمالية. أنا لم أنكرها كما لم أنكر وجود و صحة قوانين الكم فقط ما أردته هو ...

أحس حسن بحذاء ثقيل يجثم فوق صدره مع أصوات ضحكات العساكر ، تلك الأصوات التي عادة ما تصدر عندما يذكر الجنس في النكات. علم أنه قد شرد في أفكاره و لم ينتبه لدخول ضابط التحقيق الى غرفته فأعاده الحذاء العسكري برائحته الجلدية المميزة الى الواقع مرة أخرى و قبل أن ينتهزه الضابط فكر حسن في مستوى قوانين الكم مرة أخرى ، ما أردته هو ليس التقليل من احتمالية الطفل في استيعاب المحتوى الموجود في قوانين الكم و لكن ما أردته هو ضعف اهتمامه بمثل هذه الأمور. حسنا و لكن لماذا ضعف الاهتمام ، ما الذي قادك مباشرة الى هذه الخلاصة ؟ و لماذا ذكرت دخله القليل و لماذا الصين تحديدًا ؟ أنا أعلم أنك لم تقصد التقليل من ذكاء أو قدرات الطفل و لكن انقيادك المباشر و الطريقة التي ركبت بها مثالك توضح أن قوانين الكم أو المال الذي غلفته بها هو الذي يعمل خلف الكواليس في مستوى ما قبل الفكرة. فأنت تعلم أنه الطفل في الصين يأخذ حفنة قليلة من المال فهو بنسبة كبيرة سيكون ذو حظ قليل من التعليم و الاطلاع و في الغالب حظ أقل في الوصول الى أشياء مثل الانترنت ، أشياء ربما يشارك هو نفسه في صناعتها و لكنها غريبة عنه. أنت لم تختر مثالك بعشوائية تامة كما ظننت ، بل هو المال يعمل في كل المستويات ربما لهذا كرهه آينشتاين لأنه اله يلعب النرد. حسنا قد يكون و لكن ...

بعد أربعة ايام من التحقيق المتحضر و الهادئ من قبل ادارة الأمن خرج حسن من غرفته و تم نقله الى منشأة لإعادة تأهيله و هناك تذكر الحذاء الجلدي للضابط فوالد حسن لا لم يكن في الجيش و لكنه كان في مصنع الأحذية الذي يزود القوات النظامية بالأحذية و المنتوجات الجلدية ، كان يعمل لوردية طويلة من ما جعل احتكاكه مع حسن و اخوته قليل و لكن حسن يذكر كيف أن يدي والده المليئة بالشقوق و آثار الجروح الأيدي الشديدة الخشونة كيف تتحول الى حرير عندما يصافح حسن مبتسماً بكل فخر عندما كان يسلمه درجاته النهائية في آخر كل عام دراسي ، كيف كانت تتحول الى دفء عندما يحتضن بنته الصغيرة و يمسح على خدها ، تلك الرجفة الخفيفة في عينيه و اللمعة الأخاذة. قد يكون و لكن خذ مثالا آخر كوالدي مثلا ، فهو يعمل في المصنع الذي زود الضابط بنفس الحذاء الذي ضغط به على صدر ابنه في التحقيق ، كيف لوالدي أن يعلم أن هذا يمكن أن يحصل. لم يكن والدك ليعلم و لكن ليس هذا ما يجب أن تسأل نفسك اياه ، السؤال هو لماذا توجد قوات نظامية من الأساس ليقوم لها مصنعا كاملا يصنع الأحذية التي تضغط على صدور أبناء المستضعفين ، ربما ليس لوالدك علم أنك من ستعصر بحذاء صنعه هو مقابل أن يعلمك ما سيعرضك في النهاية لتكون تحت ذلك الحذاء و لكنه بالتأكيد يعلم أن ما يصنعه كان يعتصر صدور الكثير من الناس غيرك و ربما هو أيضا تعرض في يوم من الأيام لأن يعصر بحذاء من صنع يده. حسنا اذا فالعيب في المنظومة ككل و لكن لا يمكن تغييرها نحن ضعفاء جدا لنقوم بتغييرها ، و لقد رأيت كيف انتهت كل المحاولات و الأصوات الشجاعة تحت ذلك الحذاء الثقيل و هذا الذي كنت أحاول أن أقوله لك منذ البداية هذه القوانين موجودة و لكنها تعمل في مستوى لا يمكننا تغييره. السؤال مرة أخرى يجب أن يعاد صياغته ، كيف علمت أنه لا يمكن تغييره ، محاولة صغيرة واحدة فاشلة مقابل كل هذا الزمن من الصراع الطويل و الأرواح التي زهقت في سبيل التغيير ، كم هي ضئيلة و تافهة تجربتك في خضم هذا الكم الهائل من التجارب النضالية. نعم هي تافهة و لكنها كانت كافية جدا لتنضم الى ذلك الكم الهائل الذي يجيب عن السؤال ذات الاجابة السهلة لا توجد فائدة...

توعك حسن و تم نقله من منشأة اعادة التأهيل النفسي الى المشفى ليتم علاجه و أثناء تلك الليلة بقي حسن تحت تأثير الأدوية و المسكنات يهذي قليلا. تذكر حسن أن أحد خصومه كان يرتدي ابتسامة بلهاء لم يعرف لماذا تذكره في هذا الوقت ، انمحت ذكراه سريعا و انتقل حسن الى مشهد آخر ، من الكلية و هو يقف على أحد أبواب الكافتريات لمح عيونا حزينة ، كانت رائحة الحزن لا تخطئ قلبه و تبع الرائحة حتى أوقعته في حب تلك العيون. هنا تعرض جسم حسن لهزات عنيفة مما اضطر الممرضات لاستدعاء الطبيب المناوب حتى يحاول أن ينعشه و لكن باءت محاولاتهم بالفشل و بالقرب من سريره وجدوا رسالة بخط يده و بالقرب منها ورقة صغيرة مكتوب عليها : " في هذا الوقت من الليل لا صوت عدا صوت الذكريات حين تموت ، فهذا الوقت هو لزيارة الأموات، فابتسم ابتسامة بلهاء فقد تكون هي إحدى محاسنك فيما بعد " .


مات حسن فربما تكون قد تأثرت لموت حسن الآن على الرغم من أنه شخصية خيالية ، أكثر من موت البشر ، فالموت ربما كما قال الفيلسوف لا يعني لنا شيئا ، نكون فلا يكون و يكون فلا نكون ، ربما و لكن درويش كان أكثر حكمة عندما قال : " الموت لا يوجع الموتى ، الموت يوجع الأحياء" . ما ننعيه اليوم ليس حسن و لكن حب حسن لتلك العيون الحزينة ، فتلك الذكرى التي يجب أن ننعيها اليوم.