الثلاثاء، 25 أغسطس 2015

أسطورة الغريب الحكيم

هي أسطورة في الثقافة الافريقية عموما و الثقافة الافريقية المسلمة بصورة اكثر خصوصية تتلخص في قدوم وافد غريب على المجتمع مصاب بجرح او مرض يتم معالجته باشراف زعيم المجتمع المعين و ينتقل إلي انه يكون مستشار للزعيم و يصاهره، الغريب الحكيم يكون له دور في تغيير بنية المجتمع المادية و الروحية و لكن يغلب عليه الجانب الروحي الغريب الحكيم قادم من مكان مجهول و يحمل ثقافة اسلامية و يرتبط بالبيت النبوي في حالة الثقافة الافريقية الاسلامية أما في الثقافة الافريقية فيكون قادم من مكان مجهول و يحمل ثقافة مختلفة ليست بالضرورة انها الاسلام تحديدًا حيث وجدت أمثلة عند الدينكا حيث يكون الغريب خارج نطاق النوع البشري كما في اسطورتهم المعروفة باسم " أويل لونقار " و عادة ما يكون الغريب بطلا ثقافيا يحمل صفات ايجابية تسمح له بالاندماج في المجتمع المستقبل له و كسب ثقة قادته و زعمائه مما يسمح له بالتأثير على هذا المجتمع في عدة مستويات كما أشار سيد حامد حريز في بحثه عن أسطورة الغريب الحكيم مستخدما أدوات الفلكلور حيث اختار العديد من روايات الاسطورة لدى جماعات الفور و الهوسا و البرقو.
نتيجة المصاهرة مع زعيم المجتمع هي ولادة ابن الغريب الخليط بين الثقافتين و الذي يصبح الزعيم الجديد للمجتمع فيما بعد. هذه الظاهرة تشابه الطريقة التي تم بها تكوين المجتمعات الخليط بين الثقافتين الافريقية و الاسلامية ، نوجد مثالا دخول الختمية الى السودان ، و دخول العبابسة في مناطق الرباطاب ، حيث أتوا كغرباء و أحفاد لشرف الدين العباسي و عملوا بالسواقي التي أعطيت لهم ليستصلحوا الأرض. حيث مثل دخولهم نموذجا لظاهرة الغريب الحكيم حيث لم يكونوا مبشرين بالاسلام بصورة مباشرة الا بعد قدوم الفونج و اعلان السلطنة الزرقاء كدولة افريقية مسلمة ، حيث وهبتهم السلطة الدينية حيث أمرت بعدم المساس بهم و مساعدتهم على تعليم القرآن و وهبت السعداب السلطة السياسية ، و بهذا تقارب واضح مع أسطورة الغريب الحكيم الذي يفد من مكون عرقي و ثقافي مختلف و من مكان مجهول للمجتمع المستقبل لهذا الغريب ، حيث يدخل في المجتمع ليس عن طريق الدين فقط بل عن طريق المعاملة و هو الأمر الذي لاحظه سيد حامد حريز في تكرار هذه الظاهرة التي شهدت انتشار الاسلام في المجتمعات الافريقية .
دكتور محمد المهدي بشرى حاول أن يتلمس وجود ظاهرة الغريب الحكيم في روايات الطيب صالح و وصل إلي أن الموضوع اخذ نسقا  تصاعديا بداية من دومة ود حامد و حتى بلغ قمة وضوحه في ضو البيت .  الغريب الحكيم اخد اشكالاً مختلفة عند الطيب صالح منها الشكل الروحي في صورة اولياء الله "ود حامد و الحنين" و اخد شكل مادي في شخصيات "مصطفى سعيد و ضو البيت".
ود حامد تقارب مع اسطورة الغريب الحكيم الفلكلورية في مستوى الحضور من مكان  مجهول و الجانب الروحي المتمثل في كراماته و تركه لأثر ليس بالولد لكن الضريح الذي نبتت بجواره الدومة المشهورة. محورية الدومة و ارتباطها بوجدان أهل القرية خلق التغيير البيقوم بيه الغريب الحكيم بصورة مختلفة عن الصورة التقليدية حيث هنا التغيير تم بعد موته. في مقاربة  مع السيد المسيح في مسألة تحوله إلى سلطة روحية بعد الصلب متمثلة في الأخلاق المسيحية و التعاليم التي أمر بها حيث انتقل من حيز الحضور المادي المباشر الى حضور في لاوعي المجتمع المسيحي مع وجود رمزية الكنيسة، حيث تقابلها هنا مسألة الضريح و الدومة كآثار باقية تدل على وجود السلطة الروحية للغريب الحكيم ود حامد. غياب الغريب المادي و بقاء سيرته في اللاوعي المجتمعي أعطته قدرة على خلق تأثبر مستمر مستند على إرثه و تجسيد مستوى معين من القيم و المفاهيم الأمر الذي تجسد في الولي الحنين الذي أتى ل"سعيد عشا البايتات" من رواية ضو البيت في المنام و حثه على الذهاب الى قصر بندر شاه حيث ثار عليه أولاده و أطاحوا به لجبروته و سلطته الأمر الذي يعزيه دكتور بشرى لكون الحنين موجود في لاوعي سعيد و الأمر مجرد اسقاط لهذا الأمر.
 التغيير الذي قام به الولي ود حامد تم في لاوعي المجتمع في التاريخ الروحي للمجتمع باعتبار الدومة و ود حامد يمثلان البعد الروحي الذي يلجأ إليه أهل المجتمع المعني.
رحيل الغريب الحكيم بنفس القدر من الغموض عادة ما يكون بإختفاؤه المفاجئ أو عودته من حيث أتى و لكن تبقى آثاره في شكل نسله أو التغييرات التي أحدثها باقية دالة عليه. في شخصية الحنين الولي لاحظ دكتور بشرى مقاربة مع اسطورة الغريب الحكيم و بنفس أسلوب ود حامد ، حيث يعتبر الحنين غريب في جانب الروحانيات و الغيبيات للمجتمع. فيختلف الحنين عن ود حامد في أن الحنين ما ترك أثره في شكل الدومة لكن في تدخله المباشر و تنبؤاته و انه عاش في وعي المجتمع و واقعه المادي
الحنين يقارب الغريب الحكيم في مسألة إحداث تغيير في المجتمع عن طريق كراماته المتمثلة في تنبؤاته بالمستقبل حيث تنبأ  بزواج الزين من أجمل بنات القرية و استناد سعيد عليه في الثورة على وضعه فيما بعد حيث جمع بين التغيير عن طريق التدخل المباشر و التغيير من حيث كونه أصبح قابعا في لاوعي أهل القرية .
شخصية مصطفى سعيد شكلت تطوير لاسطورة الغريب الحكيم محاولة لجعلها أكثر مدنية و مادية منها دينية روحية فمصطفى سعيد كان غريب غرابة  دم و ثقافة و من مكان معلوم هو الخرطوم  ، لكنه قدم القرية و هو يحمل علم و ثقافة أثرت في اقتصاد القرية و أتى من النيل و رجع اليه . مصطفى سعيد خلق تغيير ثقافي كبير تمثل في حسنة بت محمود التي غرز  فيها ثورة ضد التقاليد و زرع فيها اشياء غريبة على مجتمع ود حامد و هو الأمر الذي برز بعد اختفاء مصطفى سعيد برفضها الزواج من ود الريس و اعلانها انها ستقتله و تقتل نفسها ان حدث ذلك ، اضافة الى التغييرات التي حدثت على فهمها و طريقة حياتها عموما اذ قاربت نساء المدينة و كذلك افصاحها عن رغبتها في الزواج من الراوي لوالديه صراحة . مصطفى سعيد قدم تغيير مادي مدني تمثل في خبرته في التجارة و الحسابات و الاقتصاد و رفع الناحية المادية للمجتمع ، أما ضو البيت فهو يمثل اسطورة الغريب الحكيم في أغلب الجوانب الا مسألة الدين فهو كان لا دينيا و دخل الاسلام على يد أهل القرية و تمت اقامة طقوس العبور له  ، لكنه جاء مصابا و تمت معالجته و تمت مصاهرة بينه و بين اهل المجتمع الجديد بالاضافة الى غيابه و اختفائه من حيث أتى و هي كلها تمثل أبرز معالم أسطورة الغريب الحكيم . ضو البيت كان أقرب الى مصطفى سعيد من ناحية التغييرات المادية التي أحدثها و تحديدا في جانب الزراعة و تفوقه فيه بالاضافة لتميزه في مجال التجارة حيث طور ضو البيت المجتمع الزراعي في ود حامد و علمهم طرق جديدة للزراعة و كان يزرع محاصيل الشتاء في الصيف و العكس كذلك ادخل محاصيل جديدة كالتنباك الذي أسماه الاكسير . يكاد ضو البيت ان يكون تجسيد واضح لاسطورة الغريب الحكيم فهو بعد المصاهرة انجب عيسى "بندر شاه" الذي تزعم المجتمع فيما بعد.